للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويمتد هذا المعنى إلى كشف النقاب عن المجتمع التقليدي "فنحن أمة محجبة على حقيقتها، لا تتفق مع ما فُطِرَت عليه في شيء"١.

وفي "السفور" يختم طه حسين مرحلة التكوين الصحفي التي بدأها في سنة ١٩٠٨, موزِّعًا جهوده بين الأزهر والجامعة المصرية، بين الجريدة وصحف الحزب الوطني، حتى انتهت تلك المرحلة بحصوله على الدكتوراه في الآداب سنة ١٩١٤، وسفره إلى فرنسا، ويحدد موقفه من بيئة التكوين الصحفي حين يؤثر امتداد الجريدة في "السفور"، ويستمر مع تلاميذ الجريدة في أداء رسالتها التجديدية، في فترة وهنت فيها الحياة الأدبية والصحفية وهي فترة الحرب٢، ولذلك جعلوا من أنفسهم كما يقول محرر السفور -عبد الحميد حمدي٣- "جيل التضحية" الذي "يحتاج إلى شجاعة، وأسمى أنواعها الشجاعة الأدبية؛ لأن التضحية بالنفس هينة، وإذا كان لا بُدَّ من جيلٍ يضحي بنفسه لمصلحة بلاده, سواءً اليوم أو غدًا فهل يرضى جيلنا هذا أن يسميه التاريخ في الغد جيل التضحية"٤.

ونخلص مما تَقَدَّمَ إلى أن الدكتور طه حسين قد تمثَّل بيئة التكوين الصحفي في مقاله، كما تمثَّل تياري القديم والحديث في ثقافته، وأخذ مزاجه المصري من الثقافة الأجنبية ما يلائمه, وعدَّلَ فيه وأضاف إليه، وهو الأمر الذي تبين آثاره في مقاله بعد عودته من فرنسا, ومشاركته في الخدمة العامة من طريق الكلمة، والمقال الصحفي خاصة، وتكون السياسة المصرية والحياة المصرية قد انتقلت إلى طور جديد بعد ثورة ١٩١٩، وتمثل لنا المقال الصحفي فنًّا أصيلًا في مزاج جيله له في أبدنا تقاليد مكينة، كما تبين من دراستنا لمصادرها في القديم والحديث، وهي المصادر التي كانت بيئة التكوين الصحفي مهيأة لتمثلها نتيجةً لإحياء القديم, كما يحدث في النهضات القومية, ولتعقيل الحياة المصرية، والتوفق بين الثقافتين، الأمر الذي نجد آثاره في اتجاهات المقال الصحفي عند طه حسين، والتي تَنُمُّ عن تمثله للحيوات القومية والسياسية والاجتماعية والفكرية, وللثقافة الفرنسية في نهاية الأمر.

ومن آثار ذلك في بيئة التكوين الصحفي اتجاه طه حسين في اتجاهاتها سياسيًّا واجتماعيًّا وأدبيًّا ولغويًّا، وهي اتجاهات تنمُّ عن تمثُّل مصادر الثقافة، والاتجاه القوي نحو التجديد، فلم يعد أسلوبه يميل إلى الغريب أو المحسنات كأثرٍ للبيئة السلفية في مقالاته الأولى، ولكنه اتجه بأسلوبه إلى السلاسة والسهولة، وهما الصفتان اللتان أصبحتا من مميزات أسلوبه في الصحافة والأدب من بعد، ورسم لمقاله غاية تتمثَّل في "إثارة التفكير لدى القراء"٤ ودعوتهم إلى "قراءة ما يكتب٥, وهو الأمر الذي ظلَّ من لوازم مقالاته الصحفية من بعد، وغدت أكثر حجية ومنطقية كنتيجة مستفادة من دراساته العربية والأوربية.


١ السفور في ٢١ مايو ١٩١٥.
٢ هاملتون جب: مرجع سابق ص٣٤٩.
٣ السفور في ٣١ أغسطس ١٩١٧.
٤، ٥ الجريدة في ٢٨ أكتوبر ١٩١٠.

<<  <   >  >>