للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

و"للشباب الناهض المفكر كله"١ يتخذ من ألفاظ مقالاته "نموذجًا للكتابة, ومن معناها نموذجًا للتفكير"٢, ويصبح طه حسين من "أنصار الجديد في قصد واعتدال"٣، وفي ذلك تفسير ارتباطه بالأحرار الدستوريين وصحيفتهم التي نرجُِّح أن تسميتها تعود إلى محرر "الجريدة" الذي ترجم لأرسطو، فالسياسة عند أرسطو هي "أشرف العلوم"؛ لأنه يعرِّفُها بأنها تدبير المدينة ليكون سكانها فضلاء، ومن هذا التعريف ترجع إلى السياسة سائر العلوم، أو كما قال أرسطو: إن السياسة تبيِّنُ ما هي العلوم الضرورية لحياة فضلاء"٤.

ولعل في ذلك ما يبين العنصر النفسي الذي قامت عليه صحيفة "السياسة", وهو العنصر الذي جعل طه حسين ينظر إلى زملائه في تحريرها على أنهم "مصلحون ودعاة إلى التجديد، وهم أحرار ودعاة إلى الحرية، وهم محبون للذوق حين يفكرون وحين يعملون، وهم أباة حريصون على الكرامة الفردية والاجتماعية، لهم لون خاص يمتازون به ويعرفون بين الطبقات المختلفة والأصناف المتباينة من الناس، يتخذهم خصومهم أحيانًا هزؤا وسخرية، ولكنهم على ذلك كله يقدرونهم ويتأثرون خطاهم ويحسدونهم في ما يسخرون منهم من أجله"٥.

وتأسيسًا على هذا الفهم، فإن اتجاه طه حسين إلى صحيفة "السياسية" يمثِّلُ اتساقًا مع مفهومه لدور "العلماء والمثقفين من أبناء هذا الوطن, فهم قد عرفوا تجارب الأمم, وعرفوا حقائق العلم, واستطاعوا أن يميزوا بين ما يمكن من الأمر وما لا يمكن, وهم القادرون على أن يقودوا الشعب إلى الخير ويسلكوا به قصد السبيل"٦.

على أنه لم ينفق في مصر شهورًا بعد عودته حتى تبيَّنَ أنه "كان واهمًا في كل ما قدر"٧ وأن العلماء والمفكرين "ناس من الناس يتأثرون بالجماعات التي يعيشون فيها, فيخطئون مثلها ويصيبون, بل هم قد يرون الخطر ويعمدون إليه متابعين للجماعات التي يذهبون مذهبها أو يرون رأيها"٨.

ومهما يكن من شيء, فإن اتجاهات صحيفة "السياسة" تتسق مع مفهومه لمهمته في الصحافة، والتي تقوم على الملائمة "بين نتائج العلم على اختلافها, وبين حاجات الناس وطاقاتهم واستعدادهم للتطور والمضي في سبيل الرقي"٩. وهي المهمة التي تحدد نوعية مقالاته في هذه الصحيفة، فهو معني بالأدب


١، ٢، ٣ حديث الأربعاء جـ٢ ص٤٩.
٤ لطفي السيد: قصة حياتي ص١٦٩, عبد العزيز شرف: مرجع سبق ص٢٧٦.
٥ حديث الأربعاء جـ٢ ص٥١.
٦، ٧، ٨ مذكرات طه حسين ص٢٣٥.
٩ المرجع نفسه ص٢٥٣.

<<  <   >  >>