للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن كان يهوى أن يُرى متصدرا ... ويكره لا أدري أصيبت مقاتله١

وقال ابن عمر -رضي الله عنه- وقد سئل عن شيء: لا أدري، ثم أتبعها فقال: أتريدون أن تجعلوا ظهورنا لكم جسورا في جهنم أن تقولوا: أفتانا بهذا ابن عمر٢، وقال ابن عمر أيضا: العلم ثلاثة: كتاب ناطق، وسنة ماضية، ولا أدري٣، وقال بعضهم: تعلم لا أدري فإنك إن قلت لا أدري علموك حتى تدري، وإن قلت أدري سألوك حتى لا تدري، قال شيخ الإسلام النووي كغيره: واعلم أن معتقد المحققين أن قول العالم لا أدري لا يضع منزلته بل هو دليل على عظم محله وتقواه وكمال معرفته؛ لأن المتمكن لا يضره عدم معرفته مسائل معدودة بل يستدل بقول لا أدري على تقواه، وأنه لا يجازف في فتواه، وإنما يمتنع من لا أدري من قل علمه وقصرت معرفته وضعف تقواه؛ لأنه يخاف لقصوره أن يسقط من أعين الحاضرين، وهذه جهالة منه؛ فإنه بإقدامه على الجواب فيما لا يعلمه يبوء بالإثم العظيم، وهو مجازف لجهله وقلة دينه، وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" ٤، وقد أدب الله تعالى العلماء بقصة موسى والخضر -عليهما السلام- حين لم يرد موسى العلم إلى الله تعالى لما سُئل: هل أحد في الأرض أعلم منك؟ ٥


١ ديوان ابن دريد ١٠٥، وقبله:
جهلت فعاديت العلوم وأهلها
كذاك يعادي العلم من هو جاهله
٢ الزهد لابن المبارك ١/ ١٨.
٣ المعجم الأوسط ١/ ٢٩٩، والتمهيد ٤/ ٢٦٦، وفيض القدير ٤/ ٣٨٧.
٤ سنن أبي داود ٤/ ٢٩٩، والبيان والتعريف ٢/ ٢٣٨، والديباج ٥/ ١٦٧، وصفوة الصفوة ١/ ٢٠٨، والجامع لمعمر بن راشد ١١/ ٢٤٨.
٥ تذكرة السامع والمتكلم ٤٣، ولنا في ذلك في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة، عن جبير بن مطعم عن أبيه أن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أي البلاء شر؟ قال: "لا أدري"، فلما أتى جبريل محمدا -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا جبريل، أي البلاد شر؟ " قال: لا أدري حتى أسأل ربي، فانطلق جبريل فمكث ما شاء الله له أن يمكث، ثم جاء، فقال: يا محمد سألتني: أي البلاد شر؟ وإني قلت: لا أدري، وإني سألت ربي: أي البلاد شر؟ فقال: أسواقها. المستدرك ١/ ٩٠.

<<  <   >  >>