للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويعلم أن ذله لشيخه عز، وخضوعه له فخر، وتعظيم حرمته مثوبة، والتشمير في خدمته شرف، قال صلى الله عليه وسلم: "تعلموا العلم، وتعملوا للعلم السكينة والوقار وتواضعوا لمن تعلمون منه"١، وأخذ ابن عباس -رضي الله عنهما- مع جلالته ومزيته بركاب زيد بن ثابت٢ -رضي الله عنه- وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا٣، ويقال: إن الشافعي -رحمه الله- عوتب على تواضعه للعلماء فقال "من الطويل":

أهين لهم نفسي فهم يكرمونها ... ولن تكرم النفس التي لا تهينها٤

ومنها: ألا ينكر عليه، ولا يتأمر عليه، ولا يشير عليه بخلاف رأيه فيرى أنه أعلم بالصواب منه "من الطويل":

وإن عناء أن تعلم جاهلا ... فيزعم جهلا أنك منك أفهم٥

بل ينقاد إليه في أموره كلها، ويلقي إليه زمام أمره، ويذعن لنصحه، ويتحرى رضاه، ولا يختار إلا اختياره، ويأتمر بأمره، ولا يخرج عن رأيه، وليدع رأيه، فخطأ مرشده أنفع له من صوابه في نفسه، وفي قصة موسى والخضر تنبيه على ذلك٦، وبالجملة فيكون معه كالمريض مع الطبيب الماهر الناصح، بل هذا أولى لتفاوت ثمرتيهما، والله أعلم.


١ جامع بيان العلم وفضله ١/ ١٢٥.
٢ هو أبو خارجة، زيد بن ثابت الأنصاري الخزرجي: صحابي، من أكابرهم، كانت كاتب الوحي، ولد في المدينة، ونشأ في مكة، توفي في سنة ٤٥هـ، ولما مات قال أبو هريرة: اليوم مات حبر هذه الأمة. الإصابة ترجمة رقم ٢٨٨٠.
٣ تذكرة السامع ٨٧، والمستدرك ٣/ ٤٢٣، والإصابة، وصفة الصفوة ١/ ٢٩٥، وبقية الخبر: "فأخذ زيد كفه وقبلها وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بآل بيت نبينا ... ".
٤ البيت في ديوانه ص٨٩، وانظره في آداب الشافعي ومناقبه ١٢٧، والجامع لأخلاق الراوي ١/ ٥٥٢، وحلية الأولياء ٩/ ١٤٨.
٥ البيت لصالح بن عبد القدوس. وانظر جامع بيان العلم ١/ ٤٤٧.
٦ سورة الكهف، الآية ٦٩، وانظر أيضا تذكرة السامع ٨٨.

<<  <   >  >>