للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مستغربة أو يحكي حكاية أو ينشد شعرا وهو يحفظ ذلك أن يصغي إليه إصغاء متسفيد متعطش إليه فرح به كأنه لم يسمعه١ قط، قال عطاء٢: إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم به منه فأريه من نفسي أني لا أحسن منه شيئا٣، وعنه قال: إن الشاب ليتحدث بحديث فأستمع له كأني لم أسمعه، ولقد سمعته قبل أن يولد٤، فإن٥ سأله الشيخ عند الشروع في ذلك عن حفظه للحديث أو للمسألة فلا يجيب بلا لما فيه من الكذب، ولا يجيب بنعم لما فيه من الاستغناء عن الشيخ، بل يقول: أحب أن أستفيده، أو عهدي به بعيد، فإن علم من حال الشيخ أنه يسره ألا يراد امتحانا لضبطه وحفظه وتحصيله فلا بأس بذلك٦، ولا ينبغي أن يكرر ما يعلمه، ولا استفهام ما يفهمه، فإنه يضيع الزمان، وربما أضجر الشيخ، قال الزهري٧: إعادة الحديث أشد من نقل الصخر٨ ولا ينبغي أن يقصر في الإصغاء والتفهم، أو يشغل ذهنه بفكر أو حديث ثم يستعيد الشيخ ما قاله؛ لأن ذلك إساءة أدب، بل يكون مصغيا لكلامه حاضر الذهن لما يسمعه من أول مرة، وكان بعض المشايخ لا يعيد لمثل هذا إذا استعاده، ويَزبُره عقوبة له، أما إذا لم يسمع كلام الشيخ لبعده أو لم يفهمه


١ تذكرة السامع ١٠٤-١٠٥.
ويحكى أن جالينوس كان يقرر يوما في مسألة مشكلة والطلبة به محدقون، فقال لهم: فهمتم، قالوا: نعم، قال: لا، لو فهمتم لظهر السرور على وجوهكم.
٢ هو ابن أبي رباح، عطاء بن أسلم بن صفوان: تابعي، من أجلاء الفقهاء كان عبدا أسود، ولد في جند باليمن، ونشأ بمكة فكان مفتي أهلها ومحدثهم، قال أبو حنيفة: ما رأيت أحدا أفضل من عطاء، توفي في مكة سنة ١١٤هـ. تذكرة الحفاظ ١/ ٩٢، وتهذيب التهذيب ٧/ ١٩٩، ونكت الهميان ١٩٩.
٣ تذكرة السامع ١٠٥.
٤ تذكرة السامع ١٠٥.
٥ تذكرة السامع ١٠٥.
٦ تذكرة السامع ١٠٦.
٧ هو ابن شهاب الزهري، محمد بن مسلم بن عبد الله، أبو بكر، وهو من أعلم الحفاظ.
٨ انظر قوله في تذكرة السامع ١٠٦.

<<  <   >  >>