للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القبلة وفيهما الوجهان، قال القاضي أبو الطيب١ في تعليقه في باب استقبال القبلة: وكذا العامي إذا وقعت له مسألة فسأل عنها، ثم وقعت له فيلزمه السؤال ثانيا، يعني على الأصح قال: إلا أن تكون مسألة يكثر وقوعها، ويشق عليه إعادة السؤال عنها فلا يلزمه ذلك، ويكفيه السؤال الأول للمشقة.

الرابعة٢: يحرم أن يتساهل في الفتوى كأن يسرع ولا يتثبت قبل استيفاء الفكر والنظر فيها، أو تحمله أغراض فاسدة على تتبع الحيل المحرمة أو المكروهة والتمسك بالشبه طلبا للترخيص لمن يروم نفعه، أو التغليظ على من يروم ضره، فإن تقدمت معرفته بالمسئول عنه فلا بأس بالإسراع، وعلى هذا يحتمل ما نقل عن الماضين من المبادرة أحيانا، أو صح قصده فاحتسب في طلب حيلة لا شبهة فيها ليخلص بها المستفتي من ورطة يمين ونحوها، فذلك حسن وعليه يحمل ما جاء عن بعض السلف من نحو هذا، وكفاه دليلا قوله تعالى لأيوب: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: ٤٤] لما حلف ليضربن امرأته مائة جلدة٣، وقد قال سفيان الثوري: إنما العلم عندنا بالرخصة من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد٤، ومن الحيل التي فيها شبهة ويذم فاعلها، الحيلة السريجية٥ في مسألة الطلاق، وعن بعض العلماء: لا يعمل بها إلا فاسق، ومن عرف بالتساهل لم يجز أن يُستفتى٦.


١ هو أبو الطيب، طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبري: قاض، من أعيان الشافعية، ولد في آمل طبرستان، واستوطن بغداد، وولي القضاء بربع الكرخ، وتوفي في بغداد سنة ٤٥٠هـ. السير ١٧/ ٦٦٨، والأعلام ٣/ ٢٢٢.
٢ كتاب العلم للنووي ص١٢٧.
٣ تفسير القرطبي ١٥/ ٢١٢ و٢١٣.
٤ كتاب العلم للنووي ص١٢٧، وآداب الفتوى ١/ ٣٨.
٥ حدثت في الإسلام بعد المائة الثالثة وهي تمنع الرجل من القدرة على الطلاق البتة، بل تسد عليه باب الطلاق بكل وجه، فلا يبقى له سبيل إلى التخلص منها، ولا يمكنه مخالعتها عند من يجعل الخلع طلاقا. إعلام الموقعين ٣/ ٢٥١ و٢٩٦، وآداب الفتوى ١/ ٣٨.
٦ آداب المفتي والمستفتي ١/ ١١١، وروضة الطالبين ١١/ ١١٠.

<<  <   >  >>