للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديث، وفي لفظ: فاضربوا بقولي الحائط، وهو صريح في أن مذهبه ما دل عليه الحديث لا قول المخالف له، فيجوز الفتيا بالحديث على أنه مذهبه، ولكن ليس لكل فقيه أن يعمل بما يراه حجة من الحديث حتى ينظر هل له معارض أو ناسخ ونحو ذلك أم لا إن كان أهلا للاجتهاد، ويسأل من يعرف ذلك ممن هو أهل، فإن لم يجد أحدا يسأله، ووجد في قلبه حزازة من مخالفة الحديث، فالمختار أنه إن لم يكن أهلا للاجتهاد في المذهب لم يجز له العمل به؛ لاحتمال أن يكون قد خفي عليه هذا، وقد قيل لابن خزيمة١: هل تعرف سُنة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحلال والحرام لم يودعها الشافعي كتابه؟ قال: لا٢، والله أعلم.

العاشرة٣: يجوز للمفتي المنتسب إلى مذهب أن يفتي بمذهب آخر في مسألة إن كان مجتهدا فأداه اجتهاده إلى المذهب الآخر فيها، أما غير المجتهد فلا يجوز أن يفتي بغير مذهب مقلده، إن كان المذهب أوسع وأسهل، وإن كان أحوط فالظاهر الجواز، ثم عليه بيان ذلك في فتواه.

الحادية عشرة٤: ليس للمفتي والعامل على مذهب الشافعي في مسألة ذات قولين أو وجهين أن يفتي أو يعمل بما شاء منهما من غير نظر، بل عليه في القولين أن يعمل بالمتأخر منهما إن علمه، وإلا فبالذي رجحه الشافعي، وإلا لزمه البحث عن أرجحهما، فإن كان أهلا للترجيح استقل به متعرفا ذلك من


١ هو أبو بكر، محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي: إمام نيسابور في عصره، كان فقيها مجتهدا، عالما بالحديث، لقبه السبكي بإمام الأئمة، وكان كثير الرحلات، مولده، ووفاته في نيسابور سنة ٣١١هـ. السير ١٤/ ٣٦٥، وطبقات السبكي ٣/ ١٠٩، والأعلام ٦/ ٢٩.
٢ كتاب العلم للنووي ص٤٢-١٦٥.
٣ لم أجده في كتاب العلم للنووي، انظر في هذه المسألة: إعلام الموقعين ٢/ ٢٤٩، والبحر الرائق ٧/ ٩، وحاشية الدسوقي ٤/ ١٣٠.
٤ كتاب العلم للنووي ص١٧٣-١٧٤.

<<  <   >  >>