للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها: أن يكون منقبضا عن الملوك وأبناء الدنيا لا يدخل إليهم صيانة للعلم كما صانه علماء السلف، فمن فعل ذلك فقد عرض نفسه لما لا قبل له به ولا طاقة، وخان أمانته، فإن العلم أمانة عنده، قال تعالى: {لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: ٢٧] وقال تعالى: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} الآية [المائدة: ٤٤] إلى غير ذلك من الآيات، وقال صلى الله عليه وسلم: "العلماء أمناء الرسل على عباده ما لم يخالطوا السلطان، فإذا فعلوا ذلك فقد خانوا الرسل فاحذروهم واعتزلوهم"١.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه: من أراد أن يكرم دينه فلا يدخل على السلطان ولا يخلون بالنسوان ولا يخاصمن أهل الأهواء٢، قال الأوزاعي٣: ما شيء أبغض إلى الله تعالى من عالم يزور أميرا، وقال حذيفة٤ رضي الله عنه: إياكم ومواقف الفتن، قالوا: وما هو؟ قال: أبواب الأمراء، يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه في الكذب ويقول ما ليس فيه، فإن دعت إلى ذلك ضرورة أو مصلحة دينية فلا بأس٥، وعلى هذا يحمل ما جاء عن بعض السلف في المشي إلى الملوك


١ الفردوس ٣/ ٧٥، وكشف الخفاء ٢/ ٨٤، وميزان الاعتدال ٨/ ٨٤.
٢ سنن الدارمي ١/ ١٠٢، والقرطبي ٧/ ١٤٠.
٣ هو أبو عمرو، عبد الرحمن بن عمرو بن محمد الأوزاعي: إمام الديار الشامية في الفقه والزهد، وأحد الكتاب المترسلين، كان ثقة، مأمونا صدوقا فاضلا خيرا كثير الحديث والعلم والفقه، ولد في بعلبك، ونشأ في البقاع، وسكن بيروت وتوفي بها سنة ١٥٧هـ. وفيات الأعيان ٢/ ١٢٧، وطبقات الحفاظ ٩٣.
٤ هو أبو عبد الله، حذيفة بن حِسْل بن جابر العبسي، واليمان لقب حسل: صحابي، من الولاة الشجعان الفاتحين، كان صاحب سر النبي في المنافقين، لم يعلمهم أحد غيره وولاه عمر على المدائن "بفارس" وهاجم نهاوند وغزا الدينور، وماه سندان، ثم غزا همذان والري، وافتتحها كلها عَنْوَةً، توفي في المدائن سنة ٣٦هـ. الإصابة ترجمة رقم ١٦٥٢، وتهذيب التهذيب ٢/ ٢١٩.
٥ شعب الإيمان ٧/ ٤٩، والتمهيد ١٣/ ٥٧، والحلية ١/ ٢٧٧.

<<  <   >  >>