للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وولاة الأمر على أنهم قصدوا بذلك حصول الأغراض الدنيوية المساعدة للأحوال الدينية، فاعلمه، والله أعلم.

ومنها: أن يكون شديد التوقي من محدثات الأمور، وإن اتفق عليها الجمهور١ فلا تغتر بإطباق الخلق على ما حدث بعد الصحابة، وكن حريصا على التفتيش عن سير الصحابة وأعمالهم، أكانوا مهتمين بالتصدير والمناظرة، والقضاء والولاية، وتولي الأوقاف والوصايا، ومال الأيتام، ومخالطة السلاطين ومجاملتهم في العشرة، أو في الخوف والحزن، والتفكر والمجاهدة، إلى غير ذلك من علوم الباطن.

واعلم يقينا أن أعلم أهل الزمان أشبههم بالصحابة وأعرفهم بطريقهم، فعنهم أُخذ الدين، قال علي رضي الله عنه: خيرنا أتبعنا لهذا الدين٢، وقال ابن مسعود: أنتم في زمان خيركم فيه المسارع في الأمور، وسيأتي بعدكم زمان يكون خيركم المتثبت المتوقف؛ لكثرة الشبهات٣، وقال حذيفة رضي الله عنه: أعجب من هذا أن معروفكم اليوم منكر زمان قد مضى، وأن منكركم معروف زمان قد يأتي، وأنكم لا تزالون بخير ما عرفتم الحق، وكان العالم فيكم غير مُستَخَف به٤.

قال الغزالي٥ وقد صدق: فأكثر معروفات هذه الأعصار منكرات في عصر الصحابة؛ إذ من غرر المعروف في زماننا تزيين المساجد، وإنفاق الأموال العظيمة في عمارتها، وبسط البسط الرفيعة فيها، ولقد كان يعد فرش البواري


١ أي: الجمهور من الناس.
٢ مسند البزار ٣/ ٩٧.
٣ طبقات السبكي ٦/ ٣٨١، والإحياء ٤/ ٣٤٣.
٤ مصنف ابن أبي شيبة ٧/ ٢١١، وتهذيب الكمال ١٩/ ٥٢٩، والزهد لابن أبي عاصم ١/ ١٦٩.
٥ هو أبو حامد، محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي، حجة الإسلام: فيلسوف، متصوف، كان كثير الرحلات، له نحو مائتي مصنف، مولده ووفاته في الطابران "قصبة طوس، بخراسان" توفي في سنة ٥٠٥هـ، الوافي بالوفيات ١/ ٢٧٧، وطبقات الشافعية.

<<  <   >  >>