للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن ابن عباس رضي الله عنه: أكرم الناس عليَّ جليسي الذي يتخطى الناس حتى يجلس إليَّ، لو استطعت ألا يقع الذباب عليه لفعلت١، ويعتني بمصالحه٢ كاعتنائه بمصالح نفسه وولده، ويجعله كولده في الشفقة عليه، والاهتمام بمصالحه.

وربما٣ وقع منه نقص وسوء أدب في بعض الأحيان، فيبسط له عذره بحسب الإمكان، وينبهه على ما صدر منه بنصح وتلطف، لا بتعنيف وتعسف، قاصدا بذلك حسن تربيته، وتحسين خُلُقه، وإصلاح طويته.

ومن ذلك أن يزجره٤ عن سوء الأخلاق، وارتكاب المحرمات والمكروهات، أو ما يؤدي إلى فساد حال، أو ترك اشتغال، أو إساءة أدب، أو عشرة من لا يليق، ونحو ذلك بطريق التعريض والتلويح، لا بطريق التصريح، وبطريق الرحمة، لا بطريق التوبيخ والنقمة، فإن التصريح يرفع حجاب الهيبة، ويورث الجرأة على الهجوم بالخلاف، ويهيج الحرص على الإصرار، وينبهك على هذا قصة آدم وحواء عليهما السلام، وهو قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ، فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة: ٣٥، ٣٦] وفي سورة طه: {فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [طه: ١٢١] وقد ورد: لو مُنع الناس عن فت البعر لفتوه، وقالوا: ما نهينا عنه إلا وفيه شيء٥، ولبعضهم "من الكامل":

النفس تهوى من يجور ويعتدي ... والنفس مائلة إلى الممنوع


١ تذكرة السامع ٤٩، وبعده: "وفي رواية: إن الذباب ليقع عليه فيؤذيني"، وانظر شعب الإيمان ٧/ ٨٦.
٢ تذكرة السامع ٤٩، وأبجد العلوم ١/ ٢٤٩، وكشف الظنون ١/ ٥٠.
٣ تذكرة السامع ٤٩-٥٠، وكتاب الأم ٦/ ٨٤.
٤ إحياء علوم الدين ١/ ٨٤، وتذكرة السامع ٤١، والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ٢/ ٢٥٧.
٥ إحياء علوم الدين ١/ ٨٤، وقال العراقي في تخريج الإحياء ١/ ٧٥: "لم أجده"، وذكره في الأسرار المرفوعة حديث رقم ٧٥٦، ونقل قول العراقي فيه.

<<  <   >  >>