للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العادة سأل عنه، فإن لم يخبر عنه أرسل إليه أو قصد منزله بنفسه وهو أفضل، وإن كان مريضا عاده، أو في غم خفض عنه، أو مسافرا تفقد أهله، وتعرض لقضاء حوائجهم ووصلهم بما أمكن.

ومن ذلك ينبغي أن يستعلم أسماء طلبته، وحاضري مجلسه وأنسابهم، ومواطنهم وأحوالهم، وأن يكون سمحا ببذل ما حصله من العلم، سهلا بإلقائه، متلطفا في إفادة طالبيه، مع إرشاد إلى المهمات، وتحريض على حفظ ما يبذله لهم من الفوائد، ولا يدخر عنهم ما يحتاجون إليه، أو يسألون عنه؛ لأن ذلك ربما يوحش صدورهم، وينفر قلوبهم، وكذلك لا يلقي لهم شيئا لم يتأهلوا له؛ لأن ذلك يبدد أذهانهم، ويفرق أفهامهم، فإن سأله الطالب من ذلك شيئا فيعرفه أن ذلك يضره، وأنه لم يمنعه شحا، بل شفقة ونصحا، ثم يرغبه في التحصيل ليتأهل لذلك، وقد روي في التفسير قوله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: ٧٩] إنه الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره١.

ومن ذلك صد المتعلم أن يشتغل بفرض الكفاية قبل الفراغ من فرض العين، وفرض عينه: إصلاح ظاهره وباطنه.

ومن ذلك أن يكون حريصا على تعليم الطلبة، مهتما بذلك، مؤثرا ذلك على حوائجه ومصالحه، ويفهم كل واحد بحسب فهمه، ولا يبسط له الكلام بسطا لا يضبطه حفظه، ولا يقصر به عما يحتمله بلا مشقة، ويخاطب كلا على قدر درجته وفهمه وهمته، فيكتفي للحاذق بالإشارة، ويوضح لغيره بالعبارة، ويكررها لمن لا يفهمها إلا بتكرار، ويبدأ بتصوير المسألة، ثم يوضحها بالأمثلة، ويقتصر على ذلك من غير دليل ولا تعليل، فإن سهل عليه الفهم فيذكر له الدليل والتعليل، والمأخذ منه والمدرك، ويبين أسرار حكم المسألة وعللها


١ رواه البخاري ١/ ٣٨، وتفسير القرطبي ٤/ ١٢٢.

<<  <   >  >>