للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كأن لم يكن.

وقالت أخرى: لايعود إلى درجته وحاله لأنه لم يكن فى وقوف، وإنما كان فى صعود، فبالذنب صار فى هبوط، فإذا تاب نقص عليه ذلك القدر الذى كان مستعداً به للترقى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والصحيح: أن من التائبين من لايعود إلى درجته، ومنهم من يعود إلى أعلى منها فيصير خيراً مما كان قبل الذنب، وكان داود بعد التوبة خيراً منه قبل الخطيئة، وهنا مثلٌ مضروب: رجل مسافر سائر على الطريق بطمأنينة وأمْن فهو يعدو مرة ويمشى أخرى، ويستريح تارة وينام أخرى فبينما هو كذلك إذ عرض له فى سيره ظل ظليل، وماء بارد ومقيل، وروضة مزهرة، فدعته نفسه إلى النزول على تلك الأماكن فنزل عليها، فوثب عليه منها عدو فأخذه وقيده ومنعه عن السير، فعاين الهلاك وظن أنه منقطع به، وأنه رزق الوحوش والسباع، وأنه قد حيل بينه وبين مقصده الذى يؤمه، فبينما هو على ذلك تتقاذفه الظنون، إذ وقف على رأسه والده الشفيق القادر فحل كتافه وقيوده، وقال له: اركب الطريق واحذر هذا العدو فإنه على منازل الطريق لك بالمرصاد، واعلم أنك ما دمت حاذراً منه متيقظاً له لايقدرعليك فإذا غفلت وثبت عليك، وأنا متقدمك إلى المنزل وفرط لك فاتبعنى على الأثر، فإذا كان هذا السائر كيساً فطناً لبيباً حاضر الذهن والعقل استقبل سيره استقبالا آخر أقوى من الأول، وأتم وأشتد حذره وتأهب لهذا العدو، وأعد له عدته، فكان سيره الثانى أقوى من الأول وخيراً منه ووصوله إلى المنزل أسرع وأن غفل عن عدوه، وعاد إلى مثل حاله الأول من غير زيادة ولا نقصان ولا قوة حذر ولا استعداد، عاد كما كان، وهو معرض لما عرض له أولاً، وإن أورثه ذلك توانياً فى سيره وفتوراً، وتذكراً لطيب مقيله وحسن ذلك الروض أو عذوبتة مائه لم يعد إلى مثل سيره ونقص عما كان.

<<  <   >  >>