قال العمرانى من أصحابنا: وهذا هو الصحيح، فان شرب دواء أو شرابا غير الخمر والنبيذ فسكر - فان شربه لحاجة - فحكمه حكم المجنون، وإن شربه ليغيب عقله، فهو كالسكران بشرب الخمر، لانه زال عقله بمعصية فهو كمن شرب الخمر والنبيذ.
وقد استدل بعدم صحة إقرار السكران بقصة ماعز حين قال للنبى صلى الله عليه وسلم: أشرب خمرا، فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر إلخ الحديث، وقد قاس صاحب المنتقى إقرار السكران على طلاقه حين ساق حديث ماعز في كتاب الطلاق مع أن الحديث لا صلة له بالطلاق البتة، وهو اجتهاد سليم وقد قال الشوكاني: وقد اختلف أهل العلم في ذلك فأخرج ابن أبى شيبة بأسانيد صحيحة عدم وقوع طلاق السكران عن أبى الشثاء وعطاء وطاوس وعكرمة والقاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز.
قال في الفتح: وبه قال ربيعة والليث وإسحق والمزنى، واختاره الطحاوي، واحتج بأنهم أجمعوا على أن طلاق المعتوه لا يقع، قال والسكران معتوه بسكره وقال بوقوعه طائفة من التابعين كسعيد بن المسيب والحسن وإبراهيم والزهرى والشعبى، وبه قال الاوزاعي والثوري ومالك وأبو حنيفة.
قال: وعن الشافعي قولان المصحح منهما وقوعه، والخلاف عند الحنابلة،
وقد حكى القول بالوقوع في البحر عن على وابن عباس وابن عمر ومجاهد والضحاك وسليمان بن يسار وزيد بن على والهادي والمؤيد بالله، وحكى القول بعدم الوقوع عن عثمان وجابر بن زيد، ورواية عن ابن عباس والناصر وأبى طالب والبتى وداود بن على اه.
وقد ذكرنا احتجاج القائلين بالوقوع بمفهوم التكليف في قوله تعالى (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) وقد أجيب بأن النهى في الآية إنما هو عن أصل السكر الذى يلزم منه قربان الصلاة كذلك، وقيل إنه نهى للثمل الذى يعقل الخطاب وأيضا قوله في آخر الاية (حتى تعلموا ما تقولون) دليل على أن السكران يقول مالا يعلم، ومن كان كذلك فكيف يكون مكلفا وهو غير فاهم، والفهم شرط التكليف كما تقرر في الاصول.