يكتسب كفاية بسبب مباح، وإن كان جماعة يصلحون للقضاء اختار الامام أفضلهم وأورعهم وقلده، فإن اختار غيره جاز لانه تحصل به الكفاية، وإن امتنعوا من الدخول فيه أثموا لانه حق وجب عليهم فأثموا بتركه كالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهل يجوز للامام ان يجبر واحدا منهم على الدخول فيه ام لا فيه وجهان:
(أحدهما)
أنه ليس له إجباره لانه فرض على الكفاية، فلو أجبرناه عليه تعين عليه
(والثانى)
أن له إجباره لانه إذا لم يجبر بقى الناس بلا قاض وضاعت الحقوق وذلك لا يجوز.
(فصل)
ومن تعين عليه القضاء وهو في كفاية لم يجز أن يأخذ عليه رزقا لانه فرض تعين عليه فلا يجوز أن يأخذ عليه مالا من غير ضرورة، فإن لم يكن له كفاية فله أن يأخذ الرزق عليه، لان القضاء لا بد منه والكفاية لا بد منها فجاز أن يأخذ عليه الرزق، فإن لم يتعين عليه فإن كانت له كفاية كره أن يأخذ عليه الرزق لانه قربة فكره أخذ الرزق عليها من غير حاجة، فإن أخذ جاز لانه لم يتعين عليه، وان لم يكن له كفاية لم يكره أن يأخذ عليه الرزق، لان أبا بكر الصديق رضى الله عنه لما ولى خرج برزمة إلى السوق، فقيل ما هذا؟ فقال أنا
كاسب أهلى فأجروا له كل يوم درهمين.
وعن عمر رضى الله عنه أنه قال: أنزلت نفسي من هذا المال بمنزلة ولى اليتيم ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف، وبعث عمر رضى الله عنه إلى الكوفة عمار بن ياسر واليا وعبد الله بن مسعود قاضيا وعثمان بن حنيف ماسحا وفرض لهم كل يوم شاة.
نصفها وأطرافها لعمار والنصف الآخر بين عبد الله وعثمان، ولانه لما جاز للعامل على الصدقات أن يأخذ مالا على العمالة جاز للقاضى أن يأخذ على القضاء، ويدفع إليه مع رزقه شئ للقرطاس، لانه يحتاج إليه لكتب المحاضر ويعطى لمن على بابه من الاجرياء لانه يحتاج إليهم لاحضار الخصوم، كما يعطى من يحتاج إليه العامل على الصدقات من العرفاء ويكون ذلك من سهم المصالح لانه من المصالح.
(فصل)
ولا يجوز أن يكون القاضى كافرا ولا فاسقا ولا عبدا ولا صغيرا