رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إن الطير لتخفق بأجنحتها وترمى بما في حواصلها من هول يوم القيامة، وإن شاهد الزور لا تزول قدماه حتى يتبوأ مقعده من النار، فإن صدقتما فاثبتا، وان كذبتما فغطيا على رؤسكما وانصرفا، فغطيا رؤوسهما وانصرفا.
(فصل)
والمستحب أن يحضر مجلسه الفقهاء ليشاورهم فيما يشكل لقوله تعالى (وشاورهم في الامر) قال الحسن: إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن
مشاورتهم لغنيا، ولكن أراد الله تعالى أن يستسن بذلك الحكام، ولان النبي صلى الله عليه وسلم شاور في أسارى بدر، فأشار أبو بكر بالفداء وأشار عمر رضى الله عنه بالقتل.
وروى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أبا بكر رضى الله عنه كان إذا نزل به أمر يريد فيه مشاورة أهل الرأى والفقه دعا رجالا من المهاجرين ورجالا من الانصار، ودعا عمر وعثمان وعليا وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبى بن كعب وزيد بن ثابت رضى الله عنهم، فمضى أبو بكر على ذلك ثم ولى عمر رضى الله عنه وكان يدعو هؤلاء النفر فإن اتفق أمر مشكل شاورهم فيه، فإن اتضح له الحق حكم به، فإن لم يتضح أخره إلى أن يتضح، ولا يقلد غيره لانه مجتهد فلا يقلد.
وقال أبو العباس: إن ضاق الوقت وخاف الفوت بأن يكون الحكم بين مسافرين وهم على الخروج قلد غيره وحكم كما قال في القبلة إذا خاف فوت الصلاة وقد بينا ذلك في كتاب الصلاة.
وان اجتهد فأداه اجتهاده إلى حكم فحكم به، ثم بان له أنه أخطأ، فإن كان ذلك بدليل مقطوع به كالنص والاجماع والقياس الجلى نقض الحكم لقوله تعالى (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) ولما رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ردوا الجهالات إلى السنة وكتب إلى أبى موسى: لا يمنعنك قضاء قضيت به ثم راجعت فيه نفسك فهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شئ، وان الرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل، ولانه مفرط في حكمه غير معذور فيه فوجب نقضه.