فنهى الحاضر العالم بالسعر أن يتوكل للبادى الجالب للسلعة، لانه إذا توكل له - مع خبرته بحاجة الناس - أغلى الثمن على المشترى فنهاه عن التوكل له، مع أن جنس الوكالة مباح لما في ذلك من زيادة السعر على الناس، ونهى عن تلقى الجلب وجعل للبائع إذا هبط السوق الخيار، ولهذا كان أكثر الفقهاء على أنه نهى عن ذلك لما فيه من ضرر البائع هنا، فإذا لم يكن قد عرف السعر، وتلقاه المتلقى قبل إتيانه إلى السوق اشتراه المشترى بدون ثمن المثل فغبنه، فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم لهذا البائع الخيار.
ثم فيه عن أحمد روايتان كما تقدم، إحداهما: أن الخيار يثبت له مطلقا، سواء غبن أو لم يغبن وهو ظاهر مذهب الشافعي.
والثانية: أنه إنما يثبت عند الغبن وهى ظاهر مذهب الحنابلة.
وقالت طائفة: بل نهى عن ذلك لما فيه من ضرر المشترى إذا تلقاه المتلقى فاشترى منه، ثم باعه، وفى الجملة.
قد نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ البيع والشراء الذى جنسه حلال حتى يعلم البائع بالسعر، وهو ثمن المثل، ويعلم المشترى بالسلعة.
وصاحب القياس الفاسد يقول: للمشترى أن يشترى حيث شاء، وقد اشترى من البائع كما يقول، فله أن يتوكل للبائع الحاضر وغير الحاضر، ولكن الشارع راعى المصلحة العامة، فإن الجالب إذا لم يعرف السعر كان جاهلا بثمن المثل، فيكون المشترى غارا له.
وألحق أحمد ومالك بذلك كل مسترسل، فإنه بمنزلة الجالب الجاهل بالسعر فتبين أنه يجب على الانسان ألا يبيع مثل هؤلاء إلا بالسعر المعروف، وهو ثمن المثل، وإن لم يكونوا محتاجين إلى الابتياع منه، لكن لكونهم جاهلين بالقيمة أو غير مماكسين، والبيع يعتبر فيه الرضا، والرضا يتبع العلم، ومن لم يعلم أنه غبن فقد يرضى، وقد لا يرضى، فإذا علم أنه غبن ورضى فلا بأس بذلك.
وفى السنن " أن رجلا كانت له شجرة في أرض غيره، وكان صاحب الارض يتضرر بدخول صاحب الشجرة، فَشَكَا ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمره أن يقبل