على المنع من المخابرة بجزء معلوم، ومثل هذه الاحاديث، حديث أسيد على فرض أنه نهى عن المزارعة بجزء معلوم وعدم تقييده بما فيه من كلام أسيد ولكنه لا سبيل إلى جعلها ناسخة لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر وهو مستمر على ذلك إلى موته وتقريره لجماعة من الصحابة عليه ولا سبيل إلى جعل هذه الاحاديث المشتملة على النهى منسوخة بفعله صلى الله عليه وسلم وتقريره لصدور النهى عنه في أثناء مدة معاملته، ورجوع جماعة من الصحابة إلى رواية من روى النهى، والجمع ما أمكن هو الواجب.
قال الشوكاني: النهى يحمل على معناه المجازى وهو الكراهة.
قال الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة قال: سمعت عمرو بن دينار يقول: سمعت ابن عمر يقول كنا نخابر ولا نرى بذلك بأسا حتى أخبرنا رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نهى عنها فتركناها لقول رافع.
قال الشافعي: والمخابرة استكراء الارض ببعض ما يخرج منها فدلت سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نهيه عن المخابرة على أن لا يجوز المزارعة على الثلث ولا على الربع ولا جزء من أجزاء، وذلك أن المزارع يقبض الارض بيضاء لا أصل فيها ولا زرع ثم يستحدث فيها زرعا، والزرع ليس بأصل والذى هو في معنى المزارعة الاجارة، ولا يجوز أن يستأجر الرجل الرجل على أن يعمل له شيئا الا بأجر معلوم يعلمانه قبل أن يعمله المستأجر لما وصفت من السنة.
ثم قال الشافعي بعد أن جوز كراء الارض بالذهب والفضة: وإذا كان النخل منفردا فعامل عليه رجل وشرط أن يزرع ما بين ظهرانى النخل على المعاملة، وكان ما بين ظهرانى النخل ومنافعها من الجريد والكرانيف، وان كان الزرع منفردا عن النخل له طريق يؤتى منها أو ماء يشرب متى شربه لا يكون ريا للنخل ولا شرب للنخل ريا له لم تحل المعاملة عليه، وجازت اجارته، وذلك أنه في حكم المزارعة لا حكم المعاملة على الاصل، وسواء قل البياض في ذلك أو كثر اه ومن هنا نرى الامام الشافعي يجيز المزارعة في بياض النخل تبعا للمساقاة، وقد قال في المساقاة: وإذا كان البياض بين أضعاف النخل جاز فيه المساقاة كما تجوز