للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كتابه (الإبانة) مداراة للحنابلة وتقية، وخوفا منهم على نفسه.

وهذا كلام فيه نظر، بل إنه جد خطير، إذ إن فيه قدحا في الإمام أبي الحسن الأشعري واتهاما له بأنه يبدل عقيدته - في الظاهر - على حسب الأحوال والملابسات، أو مجاراة للتيارات الفكرية السائدة، وهذه مسألة خطيرة، فالغاية لا تبرر الوسيلة عند أهل الحق، وينبغي للإنسان أن يحسن الظن بأمثال الإمام في هذا، بل إنني أجزم ببطلان هذا الزعم في حق الإمام الجليل، إذ إنه لا يمكن أن يداري أو يجاري في عقيدته، وهي مدار السلامة وهي العقد بينه وبين الله تعالى، ولا يفعل هذا إلا الموغلون في البدعة، والذين ليسوا على رسوخ في عقيدتهم وثقة بما هم عليه، كأمثال الباطنية وغيرهم. ثم إن الحنابلة لم تكن لهم سلطة يمكن أن تلحق الأذى بالإمام، بل كان في أيامه كثيرون من المبتدعة المعاندين، ولم ينزل بهم بطش الحنابلة وبأسهم، فهذه دعوى باطلة مردودة.

وقد صرح الإمام في هذين الكتابين بأنه على عقيدة أهل الحديث، والزاعمون لهذا البطلان ممن انتسبوا إلى الإمام وسموا أنفسهم بالأشاعرة إنما هم في الحقيقة قد سلكوا طريقة ابن كلاب البصري، وهو ما كان عليه الأشعري في طوره الثاني من أطوار اعتقاده؛ فقد كان أولا معتزليا ثم تحول إلى مذهب ابن كلاب ثم استقر أخيرا على عقيدة السلف.

<<  <   >  >>