للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَذُكِرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ , أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: كَيْفَ حَالُكَ؟ فَقَالَ: كَيْفَ حَالُ مَنْ عَلَيْهُ خَمْسُ مِائَةِ دِرْهَمٍ دَيْنًا، وَهُوَ مُعِيلٌ، فَدَخَلَ ابْنُ سِيرِينَ مَنْزِلَهُ، وَأَخْرَجَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، وَقَالَ: خَمْسُ مِائَةٍ اقْضِ بِهَا دَيْنَكَ وَخُمْسُ مِائَةُ دِرْهَمٍ أَنْفِقْهَا عَلَى عِيَالِكَ.

وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ لَمْ يَكُنْ يَسْأَلُ أَحَدًا بَعْدَ ذَلِكَ كَيْفَ حَالُكَ؟ مَخَافَةَ أَنْ يُخْبَرَ عَنْ حَالِهِ، فَيَصِيرَ قِيَامُهُ بِأَمْرِهِ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَذُكِرَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ , قَالَ: مَنْ أَصْبَحَ لَزِمَهُ شُكْرُ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ.

أَوَّلُهَا أَنْ يَشْكُرَ، فَيَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَوَّرَ قَلْبِي بِنُورِ الْهُدَى، وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَمْ يَجْعَلْنِي ضَالًّا.

وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَالثَّالِثُ أَنْ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ رِزْقِي بِيَدِ غَيْرِهِ.

وَالرَّابِعُ أَنْ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَتَرَ عَلَيَّ عُيُوبِي وَعَنْ شَقِيقِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَاشَ مِائَتَيْ سَنَةٍ، وَلَا يَعْرِفُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَقَّ بِهِ مِنَ النَّارِ.

أَحَدُهَا: مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى.

وَالثَّانِي: مَعْرِفَةُ عَمَلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَنْ يَعْرِفَهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، لِأَنَّهُ لَا مُعْطِيَ وَلَا مَانِعَ غَيْرُهُ، وَأَمَّا مَعْرِفَةُ عَمَلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَنْ يَعْرِفَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ، إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا مَعْرِفَةُ نَفْسِهِ، فَأَنْ يَعْرِفَ ضَعْفَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرُدَّ شَيْئًا مِمَّا يَقْضِي اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، يَعْنِي يَرْضَى بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ وَأَمَّا مَعْرِفَةُ عَدُوِّ اللَّهِ، وَعَدُوِّ نَفْسِهِ، فَأَنْ يَعْرِفَهُ بِالشَّرِّ فَيَجْزِيَهُ بِالْمَعْرِفَةِ حَتَّى يَكْسِرَهُ وَيُقَالُ: مَا مِنْ يَوْمٍ أَصْبَحَ فِيهِ ابْنُ آدَمَ، إِلَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَةَ أَشْيَاءَ: أَوَّلُهَا أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ قِيَامِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: ٤٨] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا {٤١} وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا} [الأحزاب: ٤١-٤٢] ،

<<  <   >  >>