وفيهم رجل من قريش، يقال له: اسمعيل بن [أبي] الجهم «١» ؛ وكان أكبرهم سناً، وأفضلهم رأياً وحلماً، فقام متوكئاً على عصا «٢» ، فقال:
يا أمير المؤمنين، إن خطباء قريش قد قالت [فيك] فأطنبت، وأثنت عليك فأحسنت، ووالله ما بلغ قائلهم قدرك، ولا أحصى مثنيهم فضلك، أفتأذن لي في الكلام؟ قال: فتكلم قال: فأوجز أم أطنب؟ قال: بل أوجز.
قال: تولاك الله- يا أمير المؤمنين- بالحسنى، وزينك بالتقوى «٣» ، وجمع لك خير الآخرة والأولى، إن لي حوائج فأذكرها «٤» ؟ قال: نعم، قال:
كبرت سني، وضعفت قواي، واشتدت حاجتي، فإن رأى أمير المؤمنين أن يجبر كسري وينفي فقري-: فعل «٥» . فقال: يابن [أبي] الجهم، وما يجبر كسرك وينفي فقرك؟ قال: ألف دينار وألف دينار وألف دينار، قال: هيهات يابن [أبي] الجهم! بيت المال لا يحتمل هذا. قال: كأنك آليت- يا أمير المؤمنين- أن لا تقضي لي حاجة مقامي هذا؟! قال: فألف دينار لماذا؟
قال: أقضي بها ديناً قد فدحني حمله «٦» ، وأرهقني أهله «٧» . قال: نِعْم المسلك أسلكتها، ديناً قضيت، وأمانة أديت، وألف دينارٍ لماذا؟ قال: أزوج بها من أدرك من ولدي، فأشد بهم عضدي، ويكثر بهم عددي. قال: ولا بأس،