سهمه في أُذن فرسه فخلها «١» ، فضحك، وقال واسوأتاه! من رمية رجلٍ كل من ترى ينتظره!! أين ترون كان سهمي بالغاً لو لم يصب أذن الفرس؟ قالوا:
العتيق- وهو نهر خلف ذلك الموكب- فنزل عن فرسه، ثم سار يضربهم بسيفه، حتى أوصلهم العتيق، ثم رجع إلى موقفه «٢» .
ووقفت الأعاجم كتيبة فيها فيل، فقال: عمرو بن معدي كرب رحمه الله:
أنا «٣» حاملٌ على الفيل ومن معه، فلا تدعوني أكثر من جزر جزور، فإن تأخرتم عني فقدتم أبا ثور، وأين لكم «٤» مثل أبي ثور؟! فقذف نفسه في وسطهم، فاستلحموه «٥» ، وشجروه بالرماح طويلاً، ثم أفضى إلى السيف، ثم سقط عن فرسه، فتعطَّفت عليه رجالهم، ونادى المسلمون: أبو ثور، الله الله، فإنه إن هلك لم تجدوا منه عوضاً! وحملوا عليهم فأفرجوهم عنه، وإذا هو قد طعن من كل ناحية، وإذا هو جاثٍ على ركبتيه قد أزبد، يضرب بسيفه يميناً وشمالاً، وإذا سواعد الرجال وأسوقهم حوله كأنها أكاريع «٦» الغنم، فلما انفرج عنه الأعاجم أخذ برجل فرسٍ منهم، فحركه الفارس فلم يستطع براحاً، فنزل عنه الفارس، وانهزم إلى أصحابه، وركبه عمرو، فقال له رجل: فداك أبي وأمّي يأباثور، كيف تجدك؟ قال: أجدني صالحاً، قال: فإذا إهابه قد خرِّق، فعصِّب بالعمائم، وعاد إلى القتال كأنه لم يصنع شيئاً «٧» .