للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسترة حولها خدم وعجائز، فتوهمتها قبة جارية لبعض الطاهرية. وكان في رفقتنا شابٌ كثير المزاح حلو النادرة، فقرب مني في المسايرة، فكان مما جرى بيني وبينه أن سألته عن القبة: لمن هي من حرم الطاهرية؟ فقال لي:

فيها شاب مؤنث من أبنائهم غير متماسك. فجعلته بالي، فكنت ربما رأيته يتطلع من فروج الأغشية، ثم رأيته بعد ذلك وقد رفع له بعض السجوف.

واتفق أن أفضينا في المسير إلى كرمان، فاعترض القافلة أسد في خلقة هائلة، فتخوف أهل الرفقة منه، وقيل لهم: إنه لا يقلع عن الرفقة إلا بافتراس بعضهم، فاجتمع من في الرفقة وماجوا، وارتفع لغطهم، وكنت قريباً من قبة المؤنث، فسمعته يقول: يادادا! ما للناس؟ قالت: خير يا سيدي، وبرزت لنا عجوز في عنقها سبحة، فقالت: يا هؤلاء، قد وجب حق صحبتنا عليكم، وإن علم هذا الفتى بخبر الأسد ثكلناه، فاسكتوا، فقال لها المزَّاح: نحن في شغل بأنفسنا.

وأعاد المؤنّث القول: يادادا! ما للناس؟ فصاح المزَّاح: الأسد قد وقف لنا يريد أن يفترس منا واحداً. فخرج من القبة ومعه سيف مشهور ودرقة، ووثب إلى الأرض، وأجال بصره حتى تأمل الأسد، ثم قصده ولم يواجهه، فما شك أحد منا أنه يفترسه، فانفتل انفتالةً وضرب الأسد فحلَّ كتفه، وضربه أخرى ففرَّغ حشوته «١» ، وهو يروغ روغاناً لم يتمكن الأسد منه معه، ثم احتز رأسه وحمله في درقته والناس ينظرون، ورجع فألقى ما في يده، وقال:

يادادا! عييت والله! فلم يبقَ منا رئيس حتى غمَّر يديه ورجليه. قال يزيد بن مسلمة «٢» : فقلت له: لِمَ راوغته- يا سيدي- وأنت قادر على قتله بالمكافحة؟