منه ما وليت، إذ شد علينا أبو حسنٍ في كتائبه، وعن يمينه وشماله أهل البصائر، وكرام العشائر، فهناك شخصت الأبصار، وارتفع الشرار وقارعت الأمهات عن ثكلها، وذهلت عن حملها، واحمرّت الحدق، واغبر الأفق، وألجم العرق، وسال العلق، وثار القتام، وصبر الكرام، وحام اللئام، وحضر الفراق، وأزبدت الأشداق، وقامت الحرب على ساقٍ، وتضاربت الرجال بنصالها، بعد يأسٍ من مآلها، وتقصّفٍ من رماحها، فلا نسمع إلا التغمغم من الرجال، والتحمحم من الخيول»
، ووقع السيوف كأنه دقّ غاسل خشبته على منصبته، فكان ذلك دأبنا يومنا حتى رهقنا «٢» الليل بغسقه، ثم انبلج الصبح بفلقه، فلم يبق من القتال إلا الهرير والزّئير «٣» . فقال عمرو ابن العاص: أما والله لو شهدتم ذلك اليوم لعلمتم أنّي أحسن بلاءً، وأصبر في اللأواء «٤» ، وإني وإياكم لكما قال الأوّل:
فان كان أمير المؤمنين صيّرني شعاره دون دثاره فقد أوليته ذلك من نفسي، وقد عجمني وسبرني فوجدني وفيًّا شكوراً، إذ لم تشكروه ولا أنتم معه، وقد طلبنا بدم أمير المؤمنين- المقتول ظلماً- إذا لم تطلبوه، وصبرنا لقراع الكتائب وظبات القواضب «٥» ، وأنا أسألك- يا أمير المؤمنين- أن تغفر