للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢- العناية بالحرف والكلمة، والمقطع عنايته بالجملة والعبارة والفقرة مما يجعل القارئ يحسن تنسيق عمله.

٣- الموازنة بين الكلمات والعبارات، فلا مكان لجزء دون مقابل له، فتكون عملًا جماليا، يقوم على التناسق والتعادل.

٤- العناية بالإطار العام، ورعاية جانب الشكل، حتى يتضاءل الزاد الفكري، ويتبعه المضمون في أكثر الأحيان، لكنها تبقى رغم ذلك باهرة بإشراق صياغتها، أخاذة بروعة بيانها.

وهذا جزء من مقاله "أوروبا والإسلام" نتعرف من خلاله على أهم سمات طريقة الزيات في الكتابة، وفيه يقول: "شيع الناس بالأمس عاما قالوا إنه نهاية حرب، واستقبلوا اليوم عامًا يقولون إنه بداية السلم، وما كانت تلك الحرب التي حسبوها انتهت، ولا هذه السلم التي زعموها ابتدأت إلا ظلمة أعقبتها عمى، وإلا ظلا ما سيعقبه دمار, حاربت الديمقراطية وحليفتها الشيوعية عدوتهما الدكتاتورية، وزعمتا للناس أن أولاهما تمثل الحرية والعدالة، وأخراهما تمثل الإخاء والمساواة، فالحرب بينهما وبين الدكتاتورية التي تمثل العلو في الأرض والتعصب للجنس، والتطلع إلى السعادة أنما هي حرب بين الخير والشر، وصراع بين الحق والباطل، ثم أكدوها هذا الزعم بميثاق خطوه على مياه "الأطلس". حتى وهم ضحايا القوة، وفرائس الاستعمار أن الملائكة والروح ينزلون في كل ليلة بالهدى والحق على روزفلت وتشرشل وستالين وأن الله قد عاد فأرسل هؤلاء الأنبياء الثلاثة في واشنطن ولندن وموسكو، ليدرءوا عن أرضه فساد الأبالسة الثلاثة في برلين وروما وطوكيو. ثم تمت المعجزة وصرع الجبارون، ووقف الأنبياء الثلاثة على رءوس الشياطين الثلاثة يضربون الأستار على العالم الموعود، وتطلعت شعوب الأرض إلى مشارق الحي في الوجوه القدسية، فإذا اللحى تتساقط، والقورن تنتأ، والمسابح تنفرط، والمسوح تنهتك، وإذا التسابيح والتراتيل عواء وزئير، والوعود والمواثيق خداع وتقرير، وإذا الديمقراطية والشيوعية والنازية والفاشية كلها ألفاظ تترادف على معنى واحد، وهو استعمار الشرق، واستعباد أهله! إذن برح الخفاء، وافتضح الرياء، وعادت أوروبا إلى الاختلاف والاتفاق على حساب العرب والإسلام١".

وأعم الزيات في أسلوبه بين الفكرة والصورة، فلا يطغى أحدهما على الآخر، وجمع في طريقته بين الصفات الأساسية للأسلوب الفني التي هي: الأصالة والوجازة والتلاؤم. ولا يختلف اثنان في أن الرجل رائد مدرسة وطريقه ينهل من معينها المتأديون، ويحاكيها الناشئون كي ترتقي أساليبهم وتسلم طرائقهم في التعبير والتصوير، وحينئذ يبلغون الجودة، ويصلون إلى حد الحذق والمهارة والإبداع.


١ انظر: مجلة الرسالة عدد ٧ إبريل ١٩٤٦.

<<  <   >  >>