للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولًا: يعقوب صروف ١٨٥٢-١٩٢٧

من أعلام النهضة ورجالات العلم والأدب والفلسفة، والرياضات في لبنان، بذل جهودًا لا تنكر في ميدان الثقافة العلمية، والأدبية: وصفًا وترجمة وتلخيصًا. فبر بها أقرانه، وسما على أترابه، وزاعت شهرته، وتردد ذكره، لحبه للبحث، ورغبته في التحقيق والتنقيب عن قضية علمية أو نظرية فكرية.

دبج في مجلته "المقتطف" مقالات حافلة بالأبحاث العلمية والأدبية والفلسفية والتاريخية والاقتصادية والزراعية، وكذلك السحر والتنويم المغناطيسي -منزهًا عن كشف البخت والتنجيم- ومناجاة الأرواح، ومذهب النشوء والارتقاء، وكلها تكشف عن حقائق كاتب -إذ ذاك- في مجال الطبيعة، وتسفر عن أراء معيبة.

ظهرت براعة يعقوب صروف في الترجمة العربية الصحيحة العلمية الحديثة، فقد وضع كلمات عربية لمسميات علمية: إنجليزية وفرنسية مثل الأحافير، وعلم النفس، والمثل الأعلى، ومناجاة الأرواح، وتنازع البقاء، وغير ذلك من المسميات, وأخذ يلاحق تعريبها أولًا بأول، حتى يقف القراء على أحدث النظريات العلمية، وفي الوقت نفسه يحافظ على قواعد العربية. يقول مصطفى صادق الرافعي:

"انتهى شيخنا "صروف" في العهد الأخير إلى أن صار بعد وحده حجة اللغة العربية في دهر من دهورها العاتية، لا في الأصول والأقيسة والشواذ، وما يكون من جهة الحفظ والضبط والإتقان، بل فيما هو أبعد من ذلك، وأراد بالمنفعة على اللغة وتاريخها وقومها، بل في ما لا تنتهي إليه مطمعة أحد من علمائها وأدبائها، إذ وقع الإجماع على أنه انفرد في إقامة الدليل العلمي على سعة العربية وتصرفها وحسن انقيادها وكنايتها، وأنها تؤاتي كل ذي فن على فنه، وتماد كل عصر بمادته، وأنها في دقة التركيب ومطاوعته مع تمام الآلات والأدوات بحيث ينزل منها رجل واحد بجهده وعمله منزلة الجماعات الكثيرة في اللغات الأخرى كأنها آخر ما انتهت إليه الحضارة قبل أن تبدأ الحضارة"١.

ويتضمن باب "الأسئلة والأجوبة" بمجلدات المقتطف أجوبة مفيدة في مختلف العلوم والفنون والحوادث، تدهش العقول لما وعى صدره من حقائق، واستقر في ذهنه من معلومات، وما انتهى إليه من نتائج وأحكام،


١ راجع: المقتطف المجلد ٧٢ ص٢٣.

<<  <   >  >>