للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيًا: الشيخ علي يوسف ١٨٦٣-١٩١٣

عصامي بلغ من الجاه والشهرة والنفوذ ما لم يبلغه صحفي في بلاد المشرق العربي، وصفه أحد معاصريه فقال: "كان رجلًا استعصب نفسه الكبيرة على الزمان فقهرته، وكبرت همته على الحوادث فأخضعها، واستقبل الشدائد بعزم وثبات يخدمها فكر صحيح ونظر ثاقب ورأي سديد، فصيرها من عوامل مجده، وأحالها خادمة لمراميه، شب بنفسه، واختط في الحياة طريقه بذاته، لا معين له من طارف أو تليد، ولا ناصر من أب أو قريب أو نسيب"١.

كتب في الصحف ولم يزل -إذ ذاك- طالبًا بالأزهر، وهيأ له طموحه أن يكون صاحب مجلة أدبية، وتحقق أمله في إصدار مجلة "الآداب" التي صدر العدد الأول منها في ٣ فبراير ١٨٨٧، واستمرت حولين كاملين، حققت له فيهما ما يصبو إليه من جاه وشهرة.

كان الشيخ علي يوسف ذا قلم مطواع، تغذيه عبارة صحيحة وفكر ثاقب، فاكتسب صداقة ذوي الأقلام القوية، والنفوذ الواسع، ومهدت له الظهور في ميدان أوسع، وعلى رأس صحيفة كبرى هي "المؤيد" التي طلعت على الناس في ديسمبر ١٨٨٩، والاحتلال في عنوانه. يتحدث جورجي زيدان عن مواهب الشيخ علي يوسف الصحفية فيقول: "جمع إلى حدة الذهن ذكاء القريحة ورباطة الجأش وسعة الصدر، وكان عصبي المزاج، وكان هذا المزاج من أكبر أسباب فوزه؛ لأنه لم يكن يغضب، وإذا غضب كظم غيظه، فلا يؤثر غضبه في قريحته، فيكتب ويجيب، أو يفكر ويدير، وهو في أشد المواقف قلقًا، وكان حاضر الذهن، لا يكاد يخطر الموضوع بباله حتى يتناول القلم، ويكتب فيه بسهولة وبلاغة. وكان قوي الحجة في مناظراته وانتقاداته، قادرًا على استنباط الأدلة، ومعرفة أماكن الضعف من مناظره".

كتب المقالات تلو المقالات، ناقش فيها حقوق مصر، ورد خلالها على مزاعم الطاغين في أهل مصر، وتوخى فيها السخرية اللاذعة، والاستهزاء بالاحتلال وأعوانه، وأثبت فيها للعالم أجمع أن دعوى الإنجليز بالتمسك بالشرف كذب ومحض ادعاء.

أسلوب الشيخ علي يوسف:

إذا صح أن "الأسلوب هو الرجل" فإن أسلوب الشيخ علي يوسف


١ هو المرحوم أحمد فتحي زغلول، من كلمة قالها في حفل تأبين المرحوم الشيخ علي يوسف.

<<  <   >  >>