للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجودة القد، وعلى طيب الأحدوثة، والصنعة المشهورة، وأن هذه الأمور هي من خصائصك التي بها تكلف، ومعانيك التي بها تلهج. وإنما يحسد -أبقاك الله- المرء شقيقه في النسب، وشقيقه في الصناعة، ونظيره في الجوار على طارف١ قدره أو تالد حظه، أو على كرم في أصل تركيبه، ومجاري أعراقه، وأنت تزعم أن هذه المعاني خالصة لك، مقصورة عليك، وأنها لا تليق إلا بك، ولا تحسن إلا فيك، وإن لك الكل، وللناس البعض، وأن لك الصافي، ولهم المشوب، هذا سوى القريب الذي لا تعرفه، والبديع الذي لا نبلغه، فما هذا الغيظ الذي أنضجك؟! وما هذا الحسد الذي أكمدك؟! وما هذا الإطراق الذي اعتراك؟! وما هذا الهم الذي قد أضناك؟! "٢.

يحس القارئ أنه أمام فن جديد في الهجاء، وطراز فريد لأدب الفكاهة والتهكم والسخرية؛ لأن رسالة "التربيع والتدوير" ترسم صورة ضاحكة تفوق أصحاب التصوير الكاريكاتوري في العصر الحديث، وبذلك أمكن للجاحظ أن يشوه خصمه من واقع ضروب المفارقات والمناقضات المختلفة في تكوينه الجسمي الذي يجمع بين القصر والسمنة والتكريش، في الوقت الذي يدعي فيه الرشاقة والجمال والعلم والشباب.

عالج الجاحظ ذلك كله في رسالته بأسلوب سهل، وقدرة فائقة في التعبير، وتلوين في الصور مع فيض من المعاني، واختيار للألفاظ، هذا ما ينبغي توافره في المقال الأدبي اليوم.

<<  <   >  >>