بالبكاء، إذا بها تتلملم بأسرع من لمح البصر، كأن لم يك شيء فتصلح زيها الذي تشعث قليلًا، ثم تعود في خيلائها، مضاءة بأنوار الربيع".
"قلت لنفسي وأنا أتكلف سرورًا ظاهرًا: "هلمي بنا في هذا اليوم المشرق من أيام البعث.. لنطرح الكتاب جانبًا، ولنمضي إلى الضاحية فنستقبل بشائر الربيع" فتبعتني نفسي كالمرغمة، وكنت أتلفت ورائي، حينًا بعد حين، لا أنظر إلي أين هي, ومشيت على مهل، وأنا أسرح الطرف معجبًا، كأني أفتح على الكون عينين جديدتين، لم يسبق أن استعملهما أحد كمثل نافذتين في دار مهجورة أقفلتا زمنًا طويلًا، فلما آت إلى الدار أهلها؛ وفتحت النافذتان أخذتا تنظران، وكأن الأرض بدلت والسماء غير السماء".
"وفيما نحن في الضاحية نبحث عن موكب الربيع تدق فيه البشائر، إذ تجهم وجه الدنيا وتريد بالسحاب، ثم أنزل المطر علينا مدرارًا, وهكذا عدنا من حيث أتينا، ونحن نقص على الناس أننا رأينا الربيع يدخل البلد متنكرًا في ثوب الشتاء، مشمرًا أذياله بين الوحل والماء".
- ذهب ربيع وجاء ربيع.
قالت ماري: ماري قرطيا التي لا تعرف شيئًا عن البروج لأختها.
- تعالى ... انظري إلى هذه الشجرة الزاهرة في جنينة الجيران ... سألني: "ما هذه الشجرة يا ماري؟ " أجبت شجرة مشمش. يا معلمي، قال: أواثقة أنت؟ نعم. وأعاد على السؤال ثم أخذ في الكتابة ليلة بطولها ... فمزق كثيرًا من الورق، قبل أن يملأ صفحة واحدة١".
وهكذا كان عمر فاخوري كاتبًا مبدعًا في روح شاعر ملهم، عبر في مقالاته عن الأدب والحياة في ذاتية عميقة، وموهبة فنية طاوعته في معاناة الفكر والبيان، تجلى فيها إخلاصه للأدب، وتجافيه عن التكلف والتقليد.
١ راجع: عمر فاخوري ص١١٥-١١٦ العدد ٨٩ من سلسلة أعلام العرب فبراير ١٩٧٠.