مادة غير ذات خصائص تميزها، وهو ما يسمونه اصطلاحًا "الهيولا" ويكون الطرف النهائي لشوط تلك المسيرة صورة غير مختلطة بمادة أعني كمالًا، لا تشوبه نواقص المادة، تلك الصورة هي بمثابة الغاية المثلى التي تجذب إليها: العالم بكل من فيه وما فيه، وهي الله سبحانه وتعالى.
فإذا تركنا العصر اليوناني القديم، ونظرنا إلى خمسة عشر قرنًا تمتد من القرن الأول للميلاد إلى القرن الخامس عشر فلا نكاد نقع على مفكر واحد، أو على فكرة واحدة من الأفكار الكبرى، خلال تلك الفترة الطويلة إلا ونجد أن الموضوع الأساسي المطروح للنظر، إنما هو حقيقة الخالق جل وعلا كما وردت في الكتب المنزلة، سواء كان ذلك كتبًا منزلة على الرسل قبل الإسلام، أو كان ذلك الكتاب هو القرآن الكريم الذي آمن به المسلمون، وذلك هو أن محور التفكير خلال تلك القرون هو بصفة أساسية محاولة النظر في الكتاب المنزل عند المسلمين أو عند غيرهم إما لشرحه ومحاولة فهمه الفهم الصحيح، وإما للنظر فيما يربطه بالفكر العقلي كما ورد عند الفلاسفة الأقدمين بمعنى أن يسأل المفكر نفسه قائلًا: هل في هذا الكتاب المنزل، ما يتعارض مع ما أملاه العقل والعرف على رجال العقل؟!. ومعنى ذلك كله هو أن فكرة الخالق جل وعلا، كانت مشغلة الفكر البشري في تلك الفترة، سواء كان ذلك بصورة مباشرة، أو بصورة غير مباشرة".
"ثم جاء العصر الحديث بادئًا بما يسمى بالنهضة الأوروبية منذ القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر ... فماذا نجد عند مستهل تلك الفترة الأخيرة! نجد عند الباب عملاقًا في دنيا الفلسفة هو "ديكارت" ولعلنا نعلم أن الفلسفة "الديكارتية" ركزت على الاعتقاد بوجود الله؛ لأنه اعتقاد لا يمكن فهم الوجود الإنساني بفكرة من الداخل، ويجسمه من الخارج إلا إذا كان الوجود الإلهي متضمنًا. وحتى الفلاسفة المعاصرون الذين تغلب عليهم النزعة الطبيعية التي ملخصها أنه ليس وراء هذه الطبيعة شيء، فلا يفوتهم أن يتصوروا الله على هذه الخلفية نفسها بصورة ملائمة لمذهبهم كأن يقولوا مثلًا: إنه هو بمثابة القوانين الخافية عن البصر، والتي تنبث في الكون فتنظمه، أو أن يقولوا إنه بمثابة الدفعة الباطنية التي تدفع