للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والكتاب ينقسم إلى أربعين ليلة، أشبه بألف ليلة وليلة، لكن لياليه فلسفة وفكر وفن وأدب، لا ليالي غرام وحب ولهو وطرب. "فإن كان ألف ليلة وليلة يصور أبدع تصوير الحياة الشعبية في ملاهيها وفتنتها وعشقها، فكتاب "الإمتاع والمؤانسة" يصور حياة الأرستقراطيين العقلية: كيف يبحثون؟ وفيمَ يفكرون؟ وكلاهما في شكل قصصي مقسم إلى ليالٍ، وإن كان حظ الخيال في الإمتاع والمؤانسة أقل من حظه في ألف ليلة وليلة"١.

وينفرد كتاب أبي حيان بالجزالة في العبارة، والإطناب في تصوير الفكرة، والإكثار من الازدواج، مع الاهتمام بالتعمق في سير غور الموضوعات التي يتناولها. وفصول الكتاب الوصفية تشبه المقالات الموضوعية الحديثة، وتقترب من المقالات التأملية الفلسفية. فقد ضم الكتاب صورا "شخصية" بارعة، أصلحها للتمثيل وأقربها إلى المقال وصف الصاحب بن عباد، التزم فيه بالأسلوب الهادئ الخالي من السباب البذيء حتى لا يفوت الغرض الذي رمى إليه، والهدف الذي يريد تحقيقه.

ومما جاء في وصف الصاحب بن عباد: "أن الرجل كثيرا لمحظوظ حاضر الجواب، فصيح اللسان، قد نتف من كل أدب خفيف أشياء، وأخذ من كل فن أطرافا. والغالب عليه كلام المتكلمين المعتزلة، وكتابته مهجنة بطرائفهم، ومناظرته مشوية بعبارة الكتاب، وهو شديد التعصب على أهل الحكمة والناظرين في أجزائها كالهندسة والطب والتنجيم والموسيقى والمنطق والعدد، وليس عنده بالجزء الإلهي خبر، ولا له فيه عين ولا أثر. وهو حسن القيام بالعروض والقوافي؛ ويقول الشعر وليس بذاك، وفي بديهته غزارة، وأما رويته فخواره، وطالعه بالجوزاء والشعرى قريبة منه، ويتشبع لمذهب أبي حنيفة، ومقالة الزيدية، ولا يرجع إلى الرقة والرأفة والرحمة. والناس كلهم محجمون عنه لجرأته وسلاطته واقتداره وبسطته، شديد العقاب، طفيف الثواب، طويل العتاب، بذيء اللسان، يعطي كثيرا قليلا "أعني يعطي الكثير القليل" مغلوب بحرارة الرأس، سريع الغضب،


١ راجع: الإمتاع والمؤنسة جـ١ طبعة ١٩٣٩.

<<  <   >  >>