للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"ومع ذلك فقد طالب أهل الشام بثقافة محدودة للفتاة ولا حاجة لها بالثقافة العريضة لمركزها في الأسرة كأم، واعتبروا مساواتها بالرجل خدعة كبرى، للاختلاف الطبيعي بينها وبين الرجل، والعلم نفسه أثبت ضعف المرأة١".

أما أهل العراق فقد رموا قاسم أمين بالفساد والخروج عن سنن الدين، محتجين بأن السفور يقود إلى المجون وهدم القيم، مما يترتب عليه تفكك الروابط الاجتماعية٢ ولما كان شاعر العراق جميل صدقي الزهاوي شغوفًا بالاطلاع على كل ما يدعو إلى التحرر الفكري والاجتماعي، فقد وجد في دعوة قاسم أمين نصرة المرأة والدفاع عنها، فلم تمض أربع سنوات على تلك الدعوة حتى بعث بمقال جريء إلى جريدة "المؤيد الأسبوعي" القاهرية، ونشر في ١٧ أغسطس ١٩١٠ بعنوان "المرأة والدفاع عنها" ناقش فيه موضوع الطلاق فقال:

"أجاز المسلمون أن يقسو الرجل فيطلق المرأة، ويستبدلها بغيرها كسقط المتاع" ثم يتساءل قائلًا: "لماذا لم يجز المسلمون أن تطلقه لتنجو من شراسته، وقد قال تعالى في كتابه المبين بعد آية الطلاق {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ} ؟ لماذا لا يكون لها هذا الطلاق مثلما هو عليها، لتعم المساواة، وتسود العدالة، كما هو مدلول الآية؟! ".

ثم ناقش "حقوق المرأة المهضومة" مناقشة صريحة فقال: "ليست المرأة المسلمة مهضومة من جهة واحدة، بل هي مهضومة من جهات عديدة: فهي مهضومة؛ لأن "عقدة الطلاق" بيد الرجل يحلها وحده، ولا أدري لماذا يجب رضاء المرأة في الاقتران، ولا يجب رضاها في الفراق الذي يعود تبعته عليها وحدها؟! وهي مهضومة؛ لأنها لا ترث من أبويها إلا نصف ما يرثه الرجل، وهي مهضومة؛ لأنها تعد نصف إنسان، وشهادتها نصف شهادة، وهي مهضومة؛ لأن الرجل يتزوج عليها بثلاث أخر، وهي لا تتزوج إلا به. وهي مهضومة؛ لأنها وهي في الحياة مقبورة في حجاب كثيف، يمنعها من شم الهواء ويمنعها من الاختلاط ببني نوعها".

وختم مقاله ببيان "مضار الحجاب" فيما يسببه من مشاق ومتاعب في المجتمع، وختم مقاله بقوله: "أخر المسلمين عن أمم الأرض حجاب تشقى به المسلمات! " فثار رجال الدين عليه ثورة عارمة، مما جعله يختفي في بيته خوفًا على حياته، واعتبره الشيخ سعيد النقشبندي -من كبار علماء بغداد- كافرًا زنديقًا، وألف رسالة في الرد عليه سماها "السيف البارق، في عنق المارق" وطالب البعض بعزله من وظيفته من والي بغداد "ناظم باشا" مما دفع جميل صدقي الزهاوي أن يتراجع عن رأيه وينكر كتابته للمقال.

ويلاحظ أن نقاش أهل الشام لقضية المرأة أهدأ من نقاش أهل العراق؛ لأن المرأة عندهم أكثر حرية من المرأة العراقية، لأثر الجاليات الأجنبية في الحياة الشامية.

أضافت المعركة التي أثيرت حول "قضية المرأة" إلى تراثنا العربي المعاصر مقالات عديدة، وكتب متنوعة، وبحوث مختلفة أهمها ما يلي:


١ جمع جميل صليب في كتابه "الاتجهات الفكرية في بلاد الشام" بعض هذه المقالات ص١٤٠ وما بعدها.
٢ راجع: تنوير الأفكار، السنة الأولى ١٣٢٨، ابتداء من العدد الثالث.

<<  <   >  >>