للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرسمية السابقة جميعًا، طلبوه من عدلي باشا ١٩٢١ وسعد زغلول ١٩٢٤، وثروت باشا ١٩٢٧، وطلبوه من دولة النحاس باشا ١٩٣٠، ورفضته مصر على كل حال وعلى هذا فإن الباعث على هذا الذي يطلبه الإنجليز وهو أنهم يريدون البقاء في مصر لا يبرحونها -لأنهم على ما صرح به المغفور له اللورد ملز- كانوا يدبرون أمر الاستيلاء على مصر منذ مائة عام، فلا معنى إذن لما تبدي فيه الصحف البريطانية وتعيد من أن الجانب المصري لا يظهر استعداده للاعتراف بأن الحالة تغيرت في البحر الأبيض تغيرًا تاما منذ ١٩٣٠ فإن الجانب المصري معذور إذا رفض الاعتراف بذلك".

"وهل كانت الحالة في هذا البحر قد نغيرت في ١٩٢١ أو إلى ١٩٢٤ أو ١٩٢٧، ١٩٣٠؟ بقاء الاحتلال إذن هو المقصود بالذات، لا دواعي الحالة التي جدت في البحر الأبيض المتوسط, وجوهر القضية هو أن الإنجليز يطلبون الاعتراف بالاحتلال تحت اسم من الأسماء الكثيرة التي لا يعجزون عن إطلاقها وابتكارها، فإنهم قوم عمليون وينظرون إلى حقائق الأمور لا إلى أسمائها، والمصريون يرفضونه في جميع المفاوضات التي آخرها مفاوضة ١٩٣٠ وهي المفاوضة التي حبطت بسبب السودان لا بسبب المسألة العسكرية التي يحق لنا أن نعدها أمرًا مفروغًا منه منذ تلك السنة, فنحن نذكر أن المستر هندرسون وزير الخارجية الإنجليزية في حكومة العمال، والذي كان على رأس المفاوضين البريطانيين في ١٩٣٠ أعلن في مجلس العموم بعد فشل المفاوضات أن المشروع ما يزال قائمًا، وأن في وسع الوفد المصري أن يوقعه في أي وقت يشاء، وكان كلامه باسم الحكومة البريطانية بلاغًا لا حاجة بنا إلى التنبيه إليه، ومعنى هذا أن ما فعلته بريطانا في هذا المشروع يعتبر من جانبها مقبولًا منها ومتفقًا عليه, ولو أن المفاوضات انقطعت فليس يجوز للحكومة البريطانية بعد هذا التصريح الرسمي أن ترجع بنا إلى ما قبل ١٩٣٠ وإلا كانت الاتفاقات نفسها قصاصات ورق لا قيمة لها".

ولو كان الاتفاق تم في ١٩٣٠ أفكان يسعى الإنجليز الآن في مطالبة مصر بدعوى تغير الحالة في البحر الأبيض بالانتقاص منه وبالرجوع بالبلاد إلى ما قبله؟ إن هذا غير معقول, وعلى أنهم ما كانوا يحتاجون إلى ذلك، لأن مشروع ١٩٣٠ يسمح لهم أن ينتظروا من مصر في حالة الحرب أو خطر الحرب أن يستخدموا موانيها ومطاراتها ومواصلاتها، وأن يعدوا عدتهم لنجدة مصر، والتهيؤ للدفاع عنها وعن الإمبراطورية البريطانية، والذي يطلبونه الآن شطط وعنت لا ترى مصر أن تجيبهم إليه، وأن طبيعة المحالفة تغني عنه؛ ولأن الاستقلال ينافي الاحتلال، ويجعل حق الدفاع وواجبه منوطين بأهل البلاد١".

هو لون من الكتابة يهتم برصد الأحداث والوقوف على مجريات الأمور، وما يزخر المجتمع به من أشياء، يحاول الكاتب خلالها أن يقوم المعوج، أو على الأقل ينقد الفاسد منها، مشيرًا إلى مواطن الضعف، ومواضع القبح حتى يقلع الناس عنها، فتستقيم الأمور وتصلح الأحوال.


١ راجع: البلاغ العدد رقم ٤١٤٦ الصادر في ٥/ ٤/ ١٩٣٦.

<<  <   >  >>