للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أن تبتدئ الدائرة من مسطح مستدير، ثم تستدق حتى تبقى إلى نقطة إلى آخر ما قالت الببغاء يحرف نظامها ونص نظامها، فالتفت إليها الراوي يقول وهو يسأل الله حسن القبول لك الله يا ببغاء من حكيمة وعناء، إنك لا تنسين ما تصبحين فيه وتمسين من دوائر وخطوط وزاوية ومخروط، فهل خرجت من هذه الطفولة إلى حد الرجولة قبل أن تنكشف الفولة؟ قالت الببغاء: أن قول الحق لم يدع لي صديقًا، فهل تركتم من المقال طريقًا؟. قال الراوي: بل لعل الباطل -لا قول الحق- هو الذي جنبك الأصدقاء، وأكسبك عداوة الأعداء، وإليك حقيقة الأنباء: قالت الببغاء: وما حقيقة الأنباء؟ ".

"قال الراوي: حقيقة الأنباء يا صاحبتي الببغاء هي أنك حمقاء وإن حسبوك من الأذكياء. فقد كنت في وظيفة غير صغيرة، فأعرضت عنها لتصبحي وزيرة, وتلك حماقة منك أيتها الببغاء فيها من خلل الحساب وما فيها من قبح الرياء. قالت الببغاء: أيها الراوي الذي هو للتاريخ حاوي، إن كان ما زعمت خللا في حساب وقبيحًا في رياء، فلماذا رضي عنهم زعيم الزعماء، ودخلت من أجله في زمرة الأولياء؟ قال الراوي: لأن زعيم الزعماء صغير السن صغير الزكاء، صغير الهمة، صغير الرجاء، نسي جنايتك على الدستور؛ لأنك أسأت إلى "وفدي مشهور" كل ذنبه أنه صديق النقراشي وماهر، وتلك عند الزعيم كبيرة الكبائر، وآفة البواطن والظواهر, وهكذا يكون الجزاء عند زعيم الزعماء إذا كان صغير النفس صغير الزكاء".

"قالت الببغاء: ثم ماذا من مثل هذا، يا من لا يزال للعقل ملاذًا, وللباطل نباذًا؟ قال الراوي: الذي هو للعقل ملاذ، وللباطل نباذ: ثم فاتك الدخول في المنصب المأمول، فملأت الأرض والسماء بالقدح والبذاء -أيتها الببغاء الرعناء- وجعلت تخرجين من قهوة إلى قهوة، ومن ندوة إلى ندوة، ولا حديث لك إلا الطعن المقصود في الزعيم المعبود والمجاهد المحسود، حتى انفصل النقراشي من تلك الزعامة, وقامت على رأسها القيامة، فعاد الزعيم كما كان في الابتداء صغير النفس صغير الزكاء، ولجأ إلى كيد الأطفال، ودق الكف وإخراج اللسان وحك الأنف وتلقيح المقال، وظني أن دخولك الوزارة يغيظ العدا، ويدل على الشطارة, وما درى أنها نكبة جناها عليك، ونقمة ساقها إليك, ولا تزالين فيهما ولم تزالي، ولو أنفقت في السجع الليالي والحديث الخيالي، والجنون القمري الهلالي١.

شاع هذا اللون من الكتابة بين كتاب الأحزاب السياسية، وأججته العداوة الشخصية بينهم وسلك الكتاب طرقًا متغايرة تقوم على التهكم حينًا، والسخرية حينًا آخر.


١ راجع: البلاغ، العدد رقم ٤٧٨٩ بتاريخ ٧/ ٢/ ١٩٣٨.

<<  <   >  >>