للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتطلع إلى الوجوه السمراء على هذه المراكب عليه يرى "بلدياته" فيدعوهم إلى مقهى صغير في روض الفرج، ويقضي معهم ساعات يستمع فيها إلى أخبار الصعيد والساحل. وتمر الأيام والفتى يكبر ويتعلم وتتسع مداركه وهو يحاول البحث عن الحقيقة في المدينة الكبيرة وفي دراسته في كلية الحقوق واتصالاته بأبناء بلدته في القاهرة, ومنهم من كان يحلو له أن يسميهم دائمًا "بناة الحضارة" ويقول: جنت عليهم الحضارة وهم عمال التراحيل, بناة العمارات والمعاهد ودور العلم والمعرفة والثقافة, كل مبنى دليل حضارة, وهم بناة حضارة, بنوها منذ الفراعنة هناك في الأقصر والعرابة المدفونة، وبنوها الآن في القاهرة والأسكندرية والمدن الحديثة".

"وتمر الأيام وتقل مراكب البلاليص وتتحول البلاليص إلى صفائح معدنية لامعة عليها كتابات وإشارات تدل على ما تحمله. ويعود الفتى إلى الساحل ويجلس مع بناة المراكب ويستمع إلى القصة, لقد عدل التجار عن استعمال البلاليص، لقد كانت البلاليص تحمل الملوحة الحمراء والعسل الأسود, ولم يعد أحد يجد لماء النيل طعمًا مقبولًا ... ربما خافوا أن تحمل تياراته هذا الطعم إلى الشمال أو إلى حيث يشرب الزائر أو السائح فلا يعود ليشرب مرة أخرى, ويرد الفتى ساخرًا: لو كانت القنبلة أصابت بلاليص العسل فقط ربما كنتم قد تركتموها, فماء النيل سيكون حلو المذاق لذيذ الطعم, أم أن ضرورة التطور وحركة الحياة هي التي أحالت ما تحمله المراكب من فخار إلى صفيح؟؟ "١.


١ راجع: الجمهورية الصادرة في يوم الخميس ٩/ ٧/ ١٩٨١.

<<  <   >  >>