للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعشرين ساعة لاستطاع أن يؤلف كتابًا ممتعًا مرة كل أسبوع, كان كامل يحب أن يتكلم ويكره أن يكتب, إذا حضر مجلسًا ملأه مرحًا وضحكًا, وإذا انفرد بنفسه بكى! فقد كان يحب الناس ولا يحب نفسه، يعشق أن يتطلع في وجوه الناس ويمقت أن ينظر إلى وجهه في المرآة، كان بدينًا جدا، ولم يكن جميلًا، ولكنك تنسى بدانته لخفة ظله، ويخفي روحه الجميل عن الناس عدم جمال وجهه! ".

"كان خطيبًا ممتازًا ولكنه يخشى مواجهة الجماهير، وكان شاعرًا رائعًا ولكنه لم يتم سوى ديوان واحد! وكان عضوًا في مجلس النواب لمدة خمس سنوات ولم يسمعه النواب يتكلم سوى مرة واحدة فقد كان خجولًا، وكان لا يثق في قدرته على إقناع الجماهير، مع أنه كان من أقوى الرجال الذين عرفتهم فصاحة وبلاغة وفخامة أسلوب! وكان بطيئًا في الكتابة، كنت أقفل عليه باب مكتبه عدة ساعات ثم أفتح الباب فأجده كتب ثلاثة أو أربعة أسطر! فهو ينحت الكلمات لا يكتب حتى يشطب ما كتب، ويمزق الورقة ويبدأ الكتابة من جديد، يتردد في كل كلمة, ويتوقف أمام كل معنى، ويختار الجملة كأنه تاجر مجوهرات يختار فصوص الماس، والياقوت! وكان ينام النهار ويسهر الليل، يمقت أن ينام في فراشه كسائر الناس، هوايته أن ينام في سيارة تطوف به أنحاء المدينة عدة ساعات، وعندئذ فقط ينام نومًا عميقًا، لا يستيقظ إلا عندما تقف السيارة".

"ولم يتزوج أبدًا، ولا فكر في الزواج، ولكن ما من ملكة جمال إلا وأحبها، وما من نجمة سينمائية إلا وعشقها، وما من فاتنة إلا ونظم فيها قصيدة غزل! ولكنه لا يستطيع أن يحب امرأة واحدة أكثر من شهر، فهو يغير ويبدل وكأنه يختار الكلمات والمعاني في مقال يكتبه أو قصيدة ينظمها! عندما كان شابا صغيرًا أحب مجالس الرجال الكبار، وعندما أصبح رجلًا كبيرًا عشق مجالس الشباب الصغار! عندما كان فقيرًا معدمًا كانت هوايته معرفة أصحاب الملايين، وعندما أصبح يتقاضى مرتبا ضخمًا من الصحافة أصبحت هوايته مصاحبة الفقراء والبؤساء والمعدومين! وكان قبل كل هذا إنسانًا١".


١ راجع: الـ ٢٠٠ فكرة ص٤٧ مصطفى أمين الطبعة الأولى.

<<  <   >  >>