للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بهذه العزلة التي نختارها مفارقة الناس في الجماعات والجمعات، وترك حقوقهم في العبادات، وإفشاء السلام، ورد التحيات، وما جرى مجراها من وظائف الحقوق الواجبة لهم، ووضائع السنن والعادات المستحسنة فيما بينهم، فإنها مستثناة بشرائطها، جارية على سبلها، ما لم يحل دوها حائل شغل، ولا يمنع عنها مانع غذر، إنما نريد للعزلة ترك فضول الصحبة، وتبذ الزيادة منها، وحط العلاوة التي لا حاجة بك إليها، فإن من جرى في صحبة الناس والاستكثار من معرفتهم، على ما يدعو إليه شعف النفوس، وإلف العادات، وترك الاقتصاد فيها، والاقتصار الذي تدعوه الحاجة إليه، كان جديرة ألا يحمد غبه، وأن يستوخم عاقبته، وكان سبيله في ذلك سبيل من يتناول الطعام في غير أوان جوعه، ويأخذ منه فوق قدر حاجته، فإن ذلك لا يلبث أن يقع في أمراض مُدْنِفَةٍ، وأسقام مُتْلِفَةِ، وليس مَنْ علم كمن كهل، ولا من جرب وامتحن كمن باده وخاطر؛ .... ) (١) وفي حديث عبد الله أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الزمان الذي يتعذر فيه إصلاح العامة، لاختلاف الناس وتناحرهم وتطاحنهم، وخفة


(١) العزلة (٥٣ - ٥٧) وذكر الحازمي في موقف المسلم من الفتنة في ضور الكتاب والسنة حالات تشرع فيها العزلة، فراجعه فقد أفاد كاتبه (٩٩).

<<  <   >  >>