للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْمُنَافِقُونَ، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (١). وَنَظَائِرُه كَثِيرَةٌ. وَإِذَا قُرِنَ بَيْنَهُمَا كَانَ الْكَافِرُ مَنْ أَظْهَرَ كُفْرَه، وَالْمُنَافِقُ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِه وَلَمْ يُؤْمِنْ بِقَلْبِه.

وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلَفْظُ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَلَفْظُ التَّوْبَة وَالِاسْتِغْفَارِ، وَلَفْظُ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ.

وَيَشْهَدُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} (٢)، إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَقَدِ اعْتُرِضَ عَلَى هَذَا بِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ؛ (قُولُوا أَسْلَمْنَا) - انْقَدْنَا بِظَوَاهِرِنَا، فَهُمْ مُنَافِقُونَ فِي الْحَقِيقَة، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيِ الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَة. وَأُجِيبُ بِالْقَوْلِ الْآخَرِ، وَرُجِّحَ، وَهُوَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ كَامِلِي الْإِيمَانِ، لَا أَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ، كَمَا نَفَى الْإِيمَانَ عَنِ الْقَاتِلِ، وَالزَّانِي، وَالسَّارِقِ، وَمَنْ لَا أَمَانَة له (٣). وَيُؤَيِّدُ هَذَا سِيَاقُ الآية، فَإِنَّ السُّورَةَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى هُنَا فِي النَّهْي عَنِ الْمَعَاصِي، وَأَحْكَامِ بَعْضِ [الْعُصَاة] (٤)، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْمُنَافِقِينَ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} (٥)، وَلَوْ كَانُوا مُنَافِقِينَ مَا نَفَعَتْهُمُ الطَّاعَة، ثُمَّ قَالَ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} (٦)، الْآيَةَ، يَعْنِي - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْكَامِلِي الْإِيمَانِ، هُمْ هَؤُلَاءِ، لَا أَنْتُمْ، بَلْ أَنْتُمْ مُنْتَفٍ عَنْكُمُ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ. يُؤَيِّدُ هَذَا: أَنَّهُ أَمَرَهُمْ، أَوْ أَذِنَ لَهُمْ، أَنْ يَقُولُوا:


(١) سورة الْمَائِدَة آية ٥
(٢) سورة الْحُجُرَاتِ آية ١٤
(٣) هذا إشارة إلى حديث أنس مرفوعا: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له» رواه أحمد في المسند: ١٢٤١٠. ونسبه السيوطي في الجامع الصغير: ٩٧٠٤ أيضا لصحيح ابن حبان. وكان في المطبوعة «إيمان» بدل «أمانة»! وهو باطل لا معنى له
(٤) في الأصل: (العصيان). ولعل الصواب ما أثبتناه، كما في سائر النسخ. ن
(٥) سورة الْحُجُرَاتِ آية ١٤
(٦) سورة الْحُجُرَاتِ آية ١٥

<<  <   >  >>