للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَسْلَمْنَا، وَالْمُنَافِقُ لَا يُقَالُ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانُوا مُنَافِقِينَ لَنَفَى عَنْهُمُ الْإِسْلَامَ، كَمَا نَفَى عَنْهُمُ الْإِيمَانَ، وَنَهَاهُمْ أَنْ يَمُنُّوا بِإِسْلَامِهِمْ، فَأَثْبَتَ لَهُمْ إِسْلَامًا، وَنَهَاهُمْ أَنْ يَمُنُّوا بِهِ عَلَى رَسُولِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِسْلَامًا صَحِيحًا لَقَالَ: لَمْ تُسْلِمُوا، بَلْ أَنْتُمْ كَاذِبُونَ، كَمَا كَذَّبَهُمْ في قَوْلِهِمْ (١): {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} (٢). وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

وَيَنْتَفِي بَعْدَ هَذَا التَّقْدِيرِ وَالتَّفْصِيلِ دَعْوَى التَّرَادُفِ، وَتَشْنِيعُ مَنْ أَلْزَمَ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَوْ كَانَ هُوَ الْأُمُورَ الظَّاهِرَة لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ [لَا يُقْبَلَ ذَلِكَ] (٣)، وَلَا يُقْبَلَ إِيمَانُ الْمُخْلِصِ! وَهَذَا ظَاهِرُ الْفَسَادِ، فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ [تَنْظِيرُ] (٤) الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَنَّ حَالَة الِاقْتِرَانِ غَيْرُ حَالَة الِانْفِرَادِ. فَانْظُرْ إِلَى كَلِمَة الشَّهَادَة، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ»، الْحَدِيثَ، فَلَوْ قَالُوا: "لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ"، وَأَنْكَرُوا الرِّسَالَة - مَا كَانُوا يَسْتَحِقُّونَ الْعِصْمَة، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولُوا"لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ"قَائِمِينِ بِحَقِّهَا، وَلَا يَكُونُ قَائِمًا بِـ"لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ"حَقَّ الْقِيَامِ، إِلَّا مَنْ صَدَّقَ بِالرِّسَالَة، وَكَذَا مَنْ شَهِدَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، لَا يَكُونُ قَائِمًا بِهَذِه الشَّهَادَة حَقَّ الْقِيَامِ، إِلَّا مَنْ صَدَّقَ هَذَا الرَّسُولَ فِي كُلِّ مَا جَاءَ به. فَتضمَنتِ التَّوْحِيدَ، وَإِذَا ضُممتْ شَهَادَة"أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ"إِلَى شَهَادَة"أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ"- كَانَ الْمُرَادُ مِنْ شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ إِثَبَاتَ التَّوْحِيدِ، وَمِنْ شَهَادَة أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إِثْبَاتَ الرِّسَالَة. كَذَلِكَ الْإِسْلَامُ وَالْإِيمَانُ: إِذَا قُرِنَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (٥).


(١) في المطبوعة «في قوله». وهو خطأ
(٢) سورة الْمُنَافِقُونَ آية ١
(٣) في الأصل: (لا يقابل بذلك). ولعل الصواب ما أثبتناه، كما في إحدى النسخ. ن
(٤) في الأصل: (تفسير). ولعل الصواب ما أثبتناه، كما في سائر النسخ. ن
(٥) سورة الْأَحْزَابِ آية ٣٥

<<  <   >  >>