للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَسَلَّمَ الصَّوْمَ عَنِ الْمَيِّتِ، كَمَا تَقَدَّمَ، مَعَ أن الصوم لا تجزي فِيهِ النِّيَابَةُ، [وَكَذَلِكَ] (١) حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدَ الْأَضْحَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ، فَقَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي»، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَدِيثُ الْكَبْشَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَ فِي أَحَدِهِمَا: «اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ أُمَّتِي جَمِيعًا»، وَفِي الْآخَرِ: «اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ» "، رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَالْقُرْبَةُ فِي الْأُضْحِيَّةِ إِرَاقَةُ الدَّمِ، وَقَدْ جَعَلَهَا لِغَيْرِهِ.

وَكَذَلِكَ عِبَادَةُ الْحَجِّ بَدَنِيَّةٌ، وَلَيْسَ [الْمَالُ] رُكْنًا فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَكِّيَّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ إِلَى عَرَفَاتٍ، مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْمَالِ. وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ، أَعْنِي أَنَّ الْحَجَّ غَيْرَ مُرَكَّبٍ مِنْ مَالٍ وَبَدَنٍ، بَلْ بَدَنِيٌّ مَحْضٌ، كَمَا قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُتَأَخِّرِينَ.

وَانْظُرْ إِلَى فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ: كَيْفَ قَامَ فِيهَا الْبَعْضُ عَنِ الْبَاقِينَ؟ وَلِأَنَّ هَذَا [إِهْدَاءُ] (٢) ثَوَابٍ، وَلَيْسَ مِنْ بَابِ النِّيَابَةِ، كَمَا أَنَّ الْأَجِيرَ الْخَاصَّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ عَنْهُ، وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ أُجْرَتَهُ لِمَنْ شَاءَ.

وَأَمَّا اسْتِئْجَارُ قَوْمٍ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيُهْدُونَهُ لِلْمَيِّتِ!! فَهَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ، وَلَا أَمَرَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ، وَلَا رَخَّصَ فِيهِ. وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى نَفْسِ التِّلَاوَةِ غَيْرُ جَائِزٍ بِلَا خِلَافٍ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التَّعْلِيمِ وَنَحْوِهُ، مِمَّا فِيهِ مَنْفَعَةٌ تَصِلُ إِلَى الْغَيْرِ. وَالثَّوَابُ لَا يَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ إِلَّا إِذَا كَانَ الْعَمَلُ لِلَّهِ، وَهَذَا لَمْ يَقَعْ عِبَادَةً خَالِصَةً، فَلَا يكون [له من] ثَوَابُهُ مَا يُهْدَى إِلَى الْمَوْتَى!! وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ يَكْتَرِي مَنْ يَصُومُ وَيُصَلِّي ويهدي ثواب ذلك إلى


(١) في الأصل: (ولكن). ولعل الصواب ما أثبتناه من سائر النسخ. ن
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ولعل الصواب إثباتها من سائر النسخ. ن

<<  <   >  >>