للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْمَيِّتِ، لَكِنْ إِذَا أَعْطَى لِمَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُعَلِّمُهُ وَيَتَعَلَّمُهُ مَعُونَةً لِأَهْلِ الْقُرْآنِ عَلَى ذَلِكَ، كَانَ هَذَا مِنْ جِنْسِ الصَّدَقَةِ عَنْهُ، فَيَجُوزُ.

وَفِي الِاخْتِيَارِ: لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْطَى شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ لِمَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَى قَبْرِهِ، فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْأُجْرَةِ، انْتَهَى.

وَذَكَرَ الزَّاهِدِيُّ فِي [الْقُنْيَةِ] (١): أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عِنْدَ قَبْرِهِ، فَالتَّعْيِينُ بَاطِلٌ.

وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَإِهْدَاؤُهَا لَهُ [تَطَوُّعًا] (٢) بِغَيْرِ أُجْرَةٍ، فَهَذَا يَصِلُ إِلَيْهِ، كَمَا يَصِلُ ثَوَابُ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي السَّلَفِ، وَلَا أَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

فَالْجَوَابُ: إِنْ كَانَ مُورِدُ هَذَا السُّؤَالِ مُعْتَرِفًا بِوُصُولِ ثَوَابِ الْحَجِّ وَالصِّيَامِ وَالدُّعَاءِ، قِيلَ لَهُ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ وُصُولِ ثَوَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ؟ وَلَيْسَ كَوْنُ السَّلَفِ لَمْ يَفْعَلُوهُ حُجَّةً فِي عَدَمِ الْوُصُولِ، وَمِنْ أَيْنَ لَنَا هَذَا النَّفْيُ الْعَامُّ؟

فَإِنْ قِيلَ: فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْشَدَهُمْ إِلَى الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ دُونَ الْقِرَاءَةِ؟ قِيلَ: هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَبْتَدِئْهُمْ بِذَلِكَ، بَلْ خَرَجَ ذَلِكَ مِنْهُ مَخْرَجَ الْجَوَابِ لَهُمْ، فَهَذَا سَأَلَهُ عَنِ الْحَجِّ عَنْ مَيِّتِهِ فَأَذِنَ لَهُ فِيهِ، وَهَذَا سَأَلَهُ عَنِ الصَّوْمِ عَنْهُ، فَأَذِنَ لَهُ فِيهِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ وُصُولِ ثَوَابِ الصَّوْمِ - الَّذِي هُوَ مُجَرَّدُ نِيَّةٍ وإمساك - وبين وصول ثواب القراءة والذكر؟


(١) في الأصل: (الغنية) والتصويب من «الجواهر المضية في طبقات الحنفية» للقرشي ٣/ ٤٦٠، وهدية العارفين ٢/ ٤٢٣. ن
(٢) في الأصل: (طوعا) ولعل الصواب ما أثبتناه من سائر النسخ. ن

<<  <   >  >>