فَإِنْ قِيلَ: مَا تَقُولُونَ فِي الْإِهْدَاءِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قِيلَ: مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنِ اسْتَحَبَّهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَآهُ بِدْعَةً، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَهُ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ كُلِّ مَنْ عَمِلَ خَيْرًا مِنْ أُمَّتِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الْعَامِلِ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي دَلَّ أُمَّتَهُ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَأَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ.
وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَيِّتَ يَنْتَفِعُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ، بِاعْتِبَارِ سَمَاعِهِ كَلَامَ اللَّهِ - فَهَذَا لَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ. وَلَا شَكَّ فِي سَمَاعِهِ، وَلَكِنَّ انْتِفَاعَهُ بِالسَّمَاعِ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ ثَوَابَ الِاسْتِمَاعِ مَشْرُوطٌ بِالْحَيَاةِ، فَإِنَّهُ عَمَلٌ اخْتِيَارِيٌّ، وَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِهِ، بَلْ رُبَّمَا يَتَضَرَّرُ وَيَتَأَلَّمُ، لِكَوْنِهِ لَمْ يَمْتَثِلْ أَوَامِرَ اللَّهِ وَنَوَاهِيهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ الْخَيْرِ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْقُبُورِ، عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: هَلْ تُكْرَهُ، أَمْ لَا بَأْسَ بِهَا وَقْتَ الدَّفْنِ، وَتُكْرَهُ بَعْدَهُ؟
فَمَنْ قَالَ بِكَرَاهَتِهَا، كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ - قَالُوا: لِأَنَّهُ مُحْدَثٌ، لَمْ تَرِدْ بِهِ السُّنَّةُ، وَالْقِرَاءَةُ تُشْبِهُ الصَّلَاةَ، وَالصَّلَاةُ عِنْدَ الْقُبُورِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، فَكَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ.
وَمَنْ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا، كَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ - اسْتَدَلُّوا بِمَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ أَوْصَى أَنْ يُقْرَأَ عَلَى قَبْرِهِ وَقْتَ الدَّفْنِ بِفَوَاتِحِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَخَوَاتِمِهَا. وَنُقِلَ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ الْمُهَاجِرِينَ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
وَمَنْ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا وَقْتَ الدَّفْنِ فَقَطْ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ - أَخَذَ بِمَا نُقِلَ عن ابن عُمَرَ وَبَعْضِ الْمُهَاجِرِينَ.
وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ، كَالَّذِينِ يَتَنَاوَبُونَ الْقَبْرَ لِلْقِرَاءَةِ عِنْدَهُ - فَهَذَا مَكْرُوهٌ، فَإِنَّهُ لم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute