وَلَمْ يُفَرِّقْ أَحْمَدُ فِي اسْتِحْبَابِ الْإِحْرَامِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بَيْنَ وَاجِدِ الْهَدْيِ وَعَادِمِهِ، بَلْ أَمَرَ بِالْإِحْرَامِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ الْمُتَمَتِّعَ مُطْلَقًا، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي آخِرًا هُوَ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي - فِي الْمُجَرَّدِ -: مَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ لَيْلَةَ السَّابِعِ لِيَصُومَ السَّابِعَ وَالثَّامِنَ وَالتَّاسِعَ، وَهِيَ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ بَعْدَ إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ ; لِأَنَّ صَوْمَهَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، فَيَتَحَرَّزُ عَنْهُ، وَزَادَ ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى هَذَا فَقَالَ: يُحْرِمُ لَيْلَةَ السَّادِسِ، أَوْ يَوْمَ الْخَامِسِ لِيَصُومَ السَّادِسَ وَالسَّابِعَ وَالثَّامِنَ.
وَهَذَا كُلُّهُ تَصَرُّفٌ بِالسُّنَّةِ الْمَسْنُونَةِ بِالرَّأْيِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مَضَى مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ سُنَّةٌ إِلَّا اتِّبَاعُهَا، وَقَدْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ كُلَّهُمْ أَنْ يُحْرِمُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَكَانُوا كُلُّهُمْ مُتَمَتِّعِينَ إِلَّا نَفَرًا قَلِيلًا سَاقُوا الْهَدْيَ، وَأَمَرَ مَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ مِنْهُمْ أَنْ يَصُومُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِحْرَامِ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، وَمَعْلُومٌ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ قَوْمًا فِيهِمْ عَشَرَاتُ الْأُلُوفِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الضَّيِّقِ، يَكُونُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، أَوْ أَكْثَرُهُمْ غَيْرَ وَاجِدِينَ لِلْهَدْيِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: كَانَ يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ الْإِحْرَامُ يَوْمَ السَّادِسِ وَالْخَامِسِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُهُمْ بِالْإِحْرَامِ يَوْمَ الثَّامِنِ؟!
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute