وَقَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: كُلُّ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَلَوْ سَاعَةً، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ.
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَابْنِ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابِهِ، قَالُوا: لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَنَفَرَ مِنْهَا قَبْلَ الزَّوَالِ: أَسَاءَ، وَحَجُّهُ تَامٌّ، وَعَلَيْهِ دَمٌ.
وَالثَّانِيَةُ: لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ بَطَّةِ، وَأَبِي حَفْصٍ الْعُكْبَرِيَّيْنِ، فَمَنْ لَمْ يَقِفْ - عِنْدَهُمْ - بَعْدَ الزَّوَالِ: فَحَجُّهُ بَاطِلٌ، قَالَ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي الْحَارِثِ - وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الَّذِي يَشْرُدُ بِهِ بِعِيرُهُ بِعَرَفَةَ - فَقَالَ: كُلُّ مَنْ وَطِئَ عَرَفَةَ بِلَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ بَعْدَ أَنْ يَقِفَ النَّاسُ: فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ إِذَا أَتَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ. وَيَدْخُلُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: يُجْزِئُهُ حَجُّهُ إِذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِعَرَفَةَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى انْسَلَخَ عَنْهُ، فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ صَوْمُ رَمَضَانَ وَلَا يَقْضِي شَيْئًا مِنَ الصَّلَاةِ.
فَقَدْ قُيِّدَ الْوُقُوفُ الْمُجْزِئُ: أَنْ يَكُونَ بَعْدَ وُقُوفِ النَّاسِ بِهَا، وَأَوَّلُ وَقْتِ وُقُوفِ النَّاسِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَهَذِهِ السُّنَّةُ الْمُوَرَّثَةُ عَنْهُ الْمَنْقُولَةُ نَقْلًا عَامًّا، فَلَوْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَقْتَ وُقُوفٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute