للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُخَاطَبِينَ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ مَنْ وَقَفَ نَهَارًا وَصَلَ الْوُقُوفَ إِلَى اللَّيْلِ، وَالشَّكُّ إِنَّمَا كَانَ فِيمَنْ لَمْ يُدْرِكْهَا إِلَّا لَيْلًا، فَخَرَجَ كَلَامُهُ لِبَيَانِ مَا أَشْكَلَ بِدَلِيلِ أَنَّ الْوُقُوفَ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ وَاجِبٌ، وَتَرْكَهُ مُوجِبٌ لِلدَّمِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ دَمًا، وَمَنْ يَكُونُ قَدْ تَرَكَ وَاجِبًا لَا يَكُونُ حَجُّهُ تَامًّا إِلَّا بِإِخْرَاجِ الدَّمِ.

قِيلَ: أَوَّلًا هَذَا السُّؤَالُ إِنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ يَقُولُ: إِنَّ الْوُقُوفَ بِاللَّيْلِ رُكْنٌ كَمَا قَالَ مَالِكٌ. وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ مَنْ دَفَعَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ صَحَّ حَجُّهُ، لَكِنْ عَلَيْهِ دَمٌ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبَيَّنَ ضَعْفَ هَذَا: أَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْوَقْتُ الْمُعْتَبَرُ هُوَ اللَّيْلُ فَقَطْ، فَكَانَ يَكْفِي أَنْ يُقَالَ: وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا قَالَ: " وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا " عُلِمَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَقْتٌ لِلْوُقُوفِ عَلَى انْفِرَادٍ، وَحَجُّ مَنْ وَقَفَ فِي أَحَدِهِمَا تَامٌّ، وَتَفَثُهُ مَقْضِيٌّ، نَعَمْ قَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ آخِرَ النَّهَارِ عَلَيْهِ دَمٌ كَمَا سَيَأْتِي.

وَأَيْضًا: فَقَوْلُهُ - فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ -: «أَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَرَفَاتٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» يُبْطِلُ هَذَا التَّأْوِيلَ؛ لِأَنَّ مَنْ أَفَاضَ نَهَارًا لَمْ يَقِفْ إِلَى اللَّيْلِ. . .

<<  <  ج: ص:  >  >>