الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَيَكُونُ وُقُوفُهُ الْوَاجِبُ مُكْثَهُ بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَالْمُسْتَحَبُّ وُقُوفُهُ عِنْدَ قَزَحَ قَبْلَ ذَلِكَ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ.
قَالَ - فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ - مَنْ لَمْ يَقِفْ غَدَاةَ الْمُزْدَلِفَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ -: يَأْتِي جَمْعًا فَيَقِفُ قَبْلَ الْإِمَامِ يُجْزِئُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّهُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي الْحَارِثِ.
وَقَالَ الْأَثْرَمُ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: يَدْفَعُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ الْإِمَامِ؟ قَالَ: الْمُزْدَلِفَةُ عِنْدِي غَيْرُ عَرَفَةَ، وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ دَفَعَ قَبْلَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ كَأَنَّ سُنَّةَ الْمُزْدَلِفَةِ عِنْدَكَ غَيْرُ سُنَّةِ عَرَفَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَ الضَّعَفَةَ وَلَمْ يَشْهَدُوا مَعَهُ الْمَوْقِفَ بِجَمْعٍ، وَلَوْ كَانَ الْوُقُوفُ بِالْغَدَاةِ وَاجِبًا، لَمَا سَقَطَ عَنِ الظُّعُنِ وَلَا غَيْرِهِمْ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَكَرَمْيِ الْجِمَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْوَاجِبَاتِ، وَلِأَنَّهُمْ مِنْ حِينِ يَدْخُلُونَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ فَهُمْ فِي الْمَوْقِفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ إِلَى أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا، فَجَازَ التَّعْجِيلُ مِنْهَا لِطُولِ الْمُقَامِ بِهَا رُخْصَةً وَتَخْفِيفًا، بِخِلَافِ عَرَفَاتٍ فَإِنَّ الْوُقُوفَ بِهَا لَيْسَ بِطَوِيلٍ.
وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ لَيْسَ بِمَحْدُودِ الْمُبْتَدَأِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَجِيئُونَ إِلَيْهَا عَلَى قَدْرِ سَيْرِهِمْ، فَجَازَ أَنْ لَا يَكُونَ مَحْدُودَ الْمُنْتَهَى، فَيَخْرُجُونَ مِنْهَا كَذَلِكَ بِخِلَافِ عَرَفَاتٍ، يَدْخُلُونَهَا وَقْتَ الزَّوَالِ، وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ. وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَقَيَّدُوا بِالْإِمَامِ فِي مُبْتَدَأِ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ، لَمْ يَتَقَيَّدُوا بِهِ فِي مُنْتَهَاهُ، وَعَرَفَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ عَرَفَاتٍ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَتَعَجَّلُونَ مِنْهَا، فَسُنَّ لَنَا مُخَالَفَتُهُمْ بِإِيجَابِ التَّأْخِيرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَكَانُوا يَتَأَخَّرُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ إِلَى طُلُوعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute