الشَّمْسِ فَسُنَّ لَنَا التَّعْجِيلُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ مُخَالَفَةً لَهُمْ، فَجَازَ أَنْ يُوَسِّعَ وَقْتَ التَّعْجِيلِ وَأَنْ يَفِيضَ قَبْلَ الْإِمَامِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْعَدُ عَنِ التَّشَبُّهِ بِهَدْيِ الْمُشْرِكِينَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَدَ: سُنَّةُ عَرَفَةَ غَيْرُ سُنَّةِ الْمُزْدَلِفَةِ.
وَقَدْ أَجَابَ أَحْمَدُ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ صَلَّى مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ» " بِأَنَّ مَنْطُوقَ الْحَدِيثِ لَا إِشْكَالَ فِيهِ. وَأَمَّا مَفْهُومُهُ، فَلَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، إِذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَنْ لَمْ يُصَلِّ مَعَنَا، وَيَقِفُ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يَتِمَّ حَجُّهُ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَ الضَّعَفَةَ، وَلَمْ يُصَلُّوا مَعَهُ وَلَمْ يَقِفُوا. وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: انْتَظَرَ الْأَعْرَابِيَّ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى جَاءَ وَلَمْ يُصَلِّ، وَالنَّاسُ يَرَوْنَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ عَلَيْهِ فَوْتَ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا مَفْهُومٌ مَنْطُوقٌ خَرَجَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ سَائِلٍ، فَإِنَّ عُرْوَةَ بْنَ مُضَرِّسٍ: كَانَ قَدْ أَدْرَكَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الصَّلَاةَ وَالْوُقُوفَ، فَذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمَ مَنْ هُوَ فِي حَالِهِ: أَنَّ حَجَّهُ تَامٌّ، وَمِثْلُ هَذَا قَدْ لَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ ; لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ لِأَجْلِ حَالِ السَّائِلِ. وَمِنْهُ فَائِدَةٌ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَدْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُدْرِكِ الصَّلَاةَ، فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ دَخَلَ عَرَفَةَ إِلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ.
وَفِيهِ - أَيْضًا - وُجُوبُ الْوُقُوفِ مَعَ الْإِمَامِ عَلَى مَنْ لَمْ يَقِفْ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَيَتَوَجَّهُ وُجُوبُ الْوُقُوفِ بَعْدَ الْفَجْرِ لِغَيْرِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: " «كَانَتْ سَوْدَةُ امْرَأَةً ضَخْمَةً ثَبِطَةً، فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute