للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّائِبِ، قَالَ: كَانَتْ صَخْرَةٌ لِهُذَيْلٍ، وَكَانَتْ بِقَدِيدٍ.

فَقَدْ تَبَيَّنَ: أَنَّ الْآيَةَ قُصِدَ بِهَا رَفْعُ مَا تَوَهَّمَ النَّاسُ أَنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْجَارِ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُعَظِّمُونَهَا.

أَمَّا الْأَنْصَارُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: فَكَانُوا يَتْرُكُونَ الطَّوَافَ بِهِمَا لِأَجْلِ الصَّنَمِ الَّذِي كَانُوا يُهِلُّونَ لَهُ، وَيَحِلُّونَ عِنْدَهُ مُضَاهَاةً بِالصَّنَمَيْنِ الَّذَيْنِ كَانَا عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.

وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَلِكَوْنِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ - غَيْرَ الْأَنْصَارِ - كَانُوا يُعَظِّمُونَهُمَا، وَلَمْ يَجْرِ لَهُمَا ذِكْرٌ فِي الْقُرْآنِ. وَهَذَا السَّبَبُ يَقْتَضِي تَعْظِيمَهُمَا وَتَشْرِيفَهُمَا مُخَالَفَةً لِلْمُشْرِكِينَ، وَتَعْظِيمًا لِشَعَائِرِ اللَّهِ. فَإِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ تَعْظِيمِ الْكَعْبَةِ قَالَ اللَّهُ: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: ٩٧]، وَأَوْجَبَ حَجَّهَا عَلَى الْبَيْتِ، فَإِذَا كَانَتِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةُ مِمَّا أَعْرَضَ عَنْهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، كَانَ الْأَظْهَرُ إِيجَابَ الْعِبَادَةِ عِنْدَهُ كَمَا وَجَبَتِ الْعِبَادَةُ عِنْدَ الْبَيْتِ، وَلِذَلِكَ سَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخَالَفَةَ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ كَانُوا يُفِيضُونَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ، فَأَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ، وَصَارَتِ الْإِفَاضَةُ مِنْ عَرَفَاتٍ وَاجِبَةً، وَوَقَفَ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَصَارَ الْوُقُوفُ بِهَا وَاجِبًا. فَقَدْ رَأَيْنَا كُلَّ مَكَانٍ مِنَ الشَّعَائِرِ أَعْرَضَ الْمُشْرِكُونَ عَنِ النُّسُكِ فِيهِ، أَوْجَبَ اللَّهُ النُّسُكَ فِيهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} [البقرة: ١٥٨] فَإِنَّ التَّطَوُّعَ فِي الْأَصْلِ مَأْخُوذٌ مِنَ الطَّاعَةِ وَهُوَ الِاسْتِجَابَةُ وَالِانْقِيَادُ، يُقَالُ: طَوَّعْتُ الشَّيْءَ فَتَطَوَّعَ أَيْ سَهَّلْتُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>