فَتَسَهَّلَ كَمَا قَالَ: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} [المائدة: ٣٠]، وَتَطَوَّعْتُ الْخَيْرَ إِذَا فَعَلْتُهُ بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ وَكَرَاهِيَةٍ.
وَلَمَّا كَانَتْ مَنَاسِكُ الْحَجِّ عِبَادَةً مَحْضَةً، وَانْقِيَادًا صِرْفًا، وَذُلًّا لِلنُّفُوسِ، وَخُرُوجًا عَنِ الْعِزِّ، وَالْأُمُورِ الْمُعْتَادَةِ، وَلَيْسَ فِيهَا حَظٌّ لِلنُّفُوسِ، فَرُبَّمَا قَبَّحَهَا الشَّيْطَانُ فِي عَيْنِ الْإِنْسَانِ، وَنَهَاهُ عَنْهَا، وَلِهَذَا قَالَ: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: ١٦] قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: هُوَ طَرِيقُ الْحَجِّ، وَقَالَ بَعْدَ أَنْ فَرَضَ: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: ٩٧] لِعِلْمِهِ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَدْ يَكْفُرُ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ وَإِنْ لَمْ يَكْفُرْ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ، فَلَا يَرَى حَجَّهُ بِرًّا، وَلَا تَرْكَهُ إِثْمًا ثُمَّ الطَّوَافُ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ خُصُوصًا فَإِنَّهُ مَطَافٌ بَعِيدٌ وَفِيهِ عَدْوٌ شَدِيدٌ وَهُوَ غَيْرُ مَأْلُوفٍ فِي غَيْرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَرُبَّمَا كَانَ الشَّيْطَانُ أَشَدَّ تَنْفِيرًا عَنْهُمَا، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} [البقرة: ١٥٨] فَاسْتَجَابَ لِلَّهِ وَانْقَادَ لَهُ، وَفَعَلَ هَذِهِ الْعِبَادَةَ طَوْعًا، لَا كُرْهًا، عِبَادَةً لِلَّهِ، وَطَاعَةً لَهُ وَلِرَسُولِهِ. وَهَذَا مُبَالَغَةٌ فِي التَّرْغِيبِ فِيهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّاعَةَ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ، وَتَطَوُّعَ الْخَيْرِ خِلَافٌ تَكْرَهُهُ. فَكُلٌّ فَاعِلِ خَيْرٍ طَاعَةً لِلَّهِ طَوْعًا لَا كَرْهًا، فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ خَيْرًا، سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا، أَوْ مُسْتَحَبًّا، نَعَمْ مَيَّزَ الْوَاجِبَ بِأَخَصِّ اسْمَيْهِ، فَقِيلَ: فَرْضٌ، أَوْ وَاجِبٌ وَبَقِيَ الِاسْمُ الْعَامُّ فِي الْعُرْفِ غَالِبًا عَلَى أَدْنَى الْقِسْمَيْنِ، كَلُغَةِ الدَّابَّةِ وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِمَا.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: طَافَ فِي عُمْرَتِهِ، وَفِي حَجَّتِهِ، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَالَ: " «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» "، وَالطَّوَافُ بَيْنَهُمَا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute