طَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ بِالْحِلِّ بَعْدَ الطَّوَافَيْنِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: " «أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: هَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ؟ قُلْتُ: لَا، فَأَمَرَنِي فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أَمَرَنِي فَأَهْلَلْتُ» "، وَفِي لَفْظٍ: " «فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حِلَّ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. . .
ثُمَّ مَنْ قَالَ: هُوَ وَاجِبٌ يَجِبُ بِتَرْكِهِمَا هَدْيٌ، قَالَ: قَدْ دَلَّتِ الْأَدِلَّةُ عَلَى وُجُوبِهِمَا لَكِنْ لَا يَبْلُغُ مَبْلَغَ الرُّكْنِ، لِأَنَّ الْمَنَاسِكَ ; إِمَّا وُقُوفٌ، أَوْ طَوَافٌ، وَالرُّكْنُ مِنْ جِنْسِ الْوُقُوفِ نَوْعٌ وَاحِدٌ، فَكَذَلِكَ الرُّكْنُ مِنْ جِنْسِ الطَّوَافِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ طَوَافًا وَاحِدًا ; لِأَنَّ أَرْكَانَ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ أَنْ تَتَكَرَّرَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَمَا لَا يَتَكَرَّرُ وُجُوبُهُ بِالشَّرْعِ.
وَلِأَنَّ الرُّكْنَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا بِإِحْرَامٍ، فَإِنَّهُ إِذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ، ثُمَّ مَاتَ فُعِلَ عَنْهُ سَائِرُ الْحَجِّ، وَتَمَّ حَجُّهُ، وَإِذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ رَجَعَ إِلَيْهَا مُحْرِمًا لِلطَّوَافِ فَقَطْ. وَالسَّعْيُ لَا يُقْصَدُ بِإِحْرَامٍ، فَهُوَ كَالْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ وَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَلِأَنَّ نِسْبَةَ الطَّوَافِ بِهِمَا إِلَى الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، كَنِسْبَةِ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ إِلَى وُقُوفِ عَرَفَةَ، لِأَنَّهُ وُقُوفٌ بَعْدَ وُقُوفٍ، وَطَوَافٌ بَعْدَ طَوَافٍ، وَلِأَنَّ الثَّانِيَ لَا يَصِحُّ إِلَّا تَبَعًا لِلْأَوَّلِ ; فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الطَّوَافُ بِهِمَا إِلَّا بَعْدَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَلَا يَصِحُّ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ إِلَّا إِذَا أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: ١٥٨] وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} [البقرة: ١٩٨] الْآيَةَ، فَإِذَا كَانَ الْوُقُوفُ الْمَشْرُوعُ بَعْدَ عَرَفَةَ لَيْسَ بِرُكْنٍ، فَالطَّوَافُ الْمَشْرُوعُ بَعْدَ طَوَافِ الْبَيْتِ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ رُكْنًا ; لِأَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute