فَاسِدٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّ تَرْكَ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ وَفِعْلَ مَحْظُورَاتِهِ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ إِذَا فُعِلَتْ لِعُذْرٍ خَاصٍّ يَكُونُ بِبَعْضِ النَّاسِ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ.
فَأَمَّا مَا رُخِّصَ فِيهِ لِلْحَاجَةِ الْعَامَّةِ وَهُوَ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ غَالِبًا فَإِنَّهُ لَا فِدْيَةَ مَعَهُ، وَلِهَذَا رُخِّصَ لِلرُّعَاةِ وَالسُّقَاةِ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى مِنْ غَيْرِ كَفَّارَةٍ لِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إِلَى ذَلِكَ كُلَّ عَامٍ وَرُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ قَبْلَ الْوَدَاعِ مِنْ غَيْرِ كَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ أَمْرٌ مُعْتَادٌ غَالِبٌ. فَكَيْفَ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ وَهُوَ الِاحْتِذَاءُ وَالِاسْتِتَارُ، فَإِنَّهُ لَمَّا احْتَاجَ إِلَيْهِ كُلُّ النَّاسِ - لِمَا فِي تَرْكِهِمَا مِنَ الضَّرَرِ شَرْعًا وَعُرْفًا وَطَبْعًا - لَمْ يَحْتَجْ هَذَا الْمُبَاحُ إِلَى فِدْيَةٍ، لَا سِيَّمَا وَكَثِيرًا مَا يَعْدِلُ إِلَى السَّرَاوِيلِ وَالْخُفِّ لِلْفَقْرِ حَيْثُ لَا يَجِدُ ثَمَنَ نَعْلٍ وَإِزَارٍ، فَالْفَقْرُ أَوْلَى بِالرُّخْصَةِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ - قَالَ: " «أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ» ".
فَإِنْ قِيلَ: فَهُوَ يَحْتَاجُ إِلَى سَتْرِ مَنْكِبَيْهِ - أَيْضًا - لِلصَّلَاةِ، فَيَنْبَغِي إِذَا لَمْ يَجِدْ إِزَارًا أَنْ يَلْبَسَ الْقَمِيصَ.
قُلْنَا: يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَّشِحَ بِالْقَمِيصِ كَهَيْئَةِ الرِّدَاءِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ لِصُورَتِهِ، وَذَلِكَ يُغْنِيهِ عَنْ لُبْسِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ.
(فَصْلٌ)
وَمَعْنَى كَوْنِهِ لَا يَجِدُهُ: أَنْ لَا يُبَاعَ، أَوْ يَجِدُهُ يُبَاعُ وَلَيْسَ مَعَهُ ثَمَنٌ فَاضِلٌ عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ كَمَا قُلْنَا فِي سَائِرِ الْأَبْدَالِ فِي الطَّهَارَةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، بِحَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُهُ هِبَةً، وَيُقَدِّمُ عَلَى ثَمَنِهِ قَضَاءَ دَيْنِهِ، وَنَفَقَةَ طَرِيقِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. فَإِنْ بُذِلَ لَهُ عَارِيَّةً فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ قَبُولُهُ، وَإِنْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ قَبُولَهُ إِعَارَةَ السُّتْرَةِ فِي الصَّلَاةِ؛ فَإِنَّ لُبْسَ النَّعْلِ وَالْإِزَارِ مُدَّةَ الْإِحْرَامِ تُؤَثِّرُ فِيهِ وَتُبْلِيهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ مِنَّةٍ بِخِلَافِ لُبْسِ الثَّوْبِ مِقْدَارَ الصَّلَاةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute